كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ) أي ولم تكن عند أولاد يعقوب إذ اتفقوا على إلقاء يوسف في البئر (وَهُمْ يَمْكُرُونَ) أي يحتالون في أمر يوسف. وقيل بأن قوله تعالى : (وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ) إلى آخر الآية تنديد بعلماء اليهود الذين كانوا قد سألوا النبي (ص) عن قصة يوسف وطمع في إيمانهم بعد سماعها ولكنهم أصروا على الكفر.
١٠٣ ـ (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ...) أي وليس أكثر الناس بمصدقين ولو اجتهدت في دعوتهم إلى الإيمان.
١٠٤ ـ (وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ...) لست تطلب منهم يا محمد أجرة دنيوية مادية (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي هذا الذي ننزله عليك ، ما هو إلا موعظة وتذكير. (لِلْعالَمِينَ) لسائر الناس.
١٠٥ ـ (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) أي كم من حجة وبرهان فيهما تدل على وجود الله ووحدانيته (يَمُرُّونَ عَلَيْها) تعترضهم وتقع تحت أبصارهم (وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) منصرفون عن التفكر والتدبر فيها.
١٠٦ ـ (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ ...) فالأكثر منهم لا يصدّق بالدعوة إليه سبحانه (إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) والشّرك هنا شرك طاعة وليس شرك عبادة ، إذ إنهم يعملون بالمعاصي إطاعة للشيطان فهم يعبدون الله ويطيعون سواه.
١٠٧ ـ (أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ ...) يعني هل أمنوا جانب النقمة وأن تجيئهم عقوبة تعمّ الجميع فلا تخلّي أحدا ، وتكون نوعا من عذاب الله كالخسف والرّمي بالحجارة من السماء وكالريح الصرصر وعذاب يوم الظّلة وغيرها. (أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً) أم أمنوا أن تقوم القيامة فجأة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وهم غافلون عن قيامها بين يدي ربّ الأرباب. فعن ابن عباس : تهجم الصيحة بهم وهم في الأسواق.
١٠٨ ـ (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي ، أَدْعُوا إِلَى اللهِ ...) قل يا محمد لهؤلاء الكفرة ولغيرهم : هذه طريقي الواضحة ، وأنا أدعو الناس إلى الإيمان بالله وعدله وتوحيده (عَلى بَصِيرَةٍ) أي بمعرفة تامة وحجة قاطعة لا تقليدا. (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) أي ادعوهم أنا ويدعوهم إليه سبحانه كذلك من صدق بي (وَسُبْحانَ اللهِ) تنزيها له وتقديسا (وَما أَنَا) لست (مِنَ الْمُشْرِكِينَ) الذين يعبدون غيره معه.
١٠٩ ـ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً ...) أي إن كنت رجلا مرسلا من قبلنا ولم تكن ملكا كما طلب المعاندون ، فإننا لم نرسل قبلك إلّا رجالا وقد كنا (نُوحِي إِلَيْهِمْ) ننزل عليهم الوحي على يد رسولنا الأمين جبرائيل (ع) وهم (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) أي من أهل المدن لا من سكان البوادي. وقد قيل بأنه سبحانه لم يرسل نبيا قط من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) أي أما جال وتنقل هؤلاء المشركون المعاندون في الأرض (فَيَنْظُرُوا) ويروا بعين عقلهم (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي كيف كانت نهاية من سبقهم من معاندي الرّسل ومكايديهم وكيف أن الله أهلكهم فيعتبروا بمصيرهم ويتعظوا؟ (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) من دار الدنيا (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا) ما يغضب الله وتجنّبوه ، وعملوا بأوامره (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي أفلا تفهمون أيها الناس ما يقال لكم فتستبصروا.
١١٠ ـ (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا ...) يعنى لا تهتمّ يا محمد بمن لا يؤمن ، فليس عليك من حسابهم من شيء حتى إذا بلغوا حالة يأس الرسل عن إيمانهم وتيقن أولئك الرسل أن أقوامهم كذبوهم على نحو العموم بحيث لم يعودوا يرجون إيمان ولو واحد منهم (جاءَهُمْ نَصْرُنا) أي ورد عليهم خبر صدق ما بعثناهم به حين أنذروا الناس وخوّفوهم النقمة ، فحلّت النقمة بالمكذّبين (فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ) أي خلص من الهلاك ونجا من العذاب من نريد من المؤمنين (وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا) أي لا يقف في وجه بلائنا والبؤس الذي ننزله مع نقمتنا (عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين.
١١١ ـ (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ...) أي لقد كان في قصص يوسف واخوته موعظة وبصيرة من الجهل لذوي العقول الكاملة (ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى) أي أن القرآن ما كان خبرا مكذوبا (وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ) بل كان تصديقا وتأييدا لما سبقه من الكتب السّماويّة كالتوراة والإنجيل وغيرهما. (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ) أي بيانا لكل ما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه (وَهُدىً) دليلا (وَرَحْمَةً) لطفا ونعمة (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) لجماعة يصدّقون بما جاء فيه.