تسفّهوني أو تكذبوني.
٩٥ ـ (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) : أي أن الحاضرين أجابوه : نقسم بالله إنك كما كنت قبل فراق يوسف مفرطا في حبه وإيثاره ، مبتعدا عن الصواب في أمره ، وكانوا يعتقدون موت يوسف منذ سنين بعيدة.
٩٦ ـ (فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ ...) أي لما وصل يهودا حامل البشارة بحياة يوسف إلى يعقوب (أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ) أي طرح القميص على وجه أبيه يعقوب (فَارْتَدَّ) أي عاد (بَصِيراً) سليم النظر صحيح العينين وعادت إليه جميع قواه (قالَ) يعقوب للحاضرين (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ) أما أخبرتكم (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من حياة يوسف وعدم اليأس من روح الله عزّ اسمه وإنه سيجمع بيننا وبينه تصديقا لرؤياه وكنتم تجهلون ذلك.
٩٧ ـ (قالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ) أي : آثمين فيما فعلناه والذين قالوا ذلك هم أخوة يوسف.
٩٨ ـ (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ...) قد وعدهم بالاستغفار ولم يظهر من الآية الشريفة أنه عفا عنهم واستغفر لهم حالا ، إذ روي أنه أخّر الاستغفار إلى السّحر من ليلة الجمعة ، كما روي أنه أجّله لسحر ليلته تلك. (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) واضح المعنى وقد مر. وقد روي أن يعقوب (ع) بقي نيفا وعشرين سنة يستغفر الله لذنب أولاده حتى غفر لهم.
٩٩ ـ (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ ...) أي لما وصل يعقوب ومن معه إلى مصر ودخلوا على يوسف في دار ملكه ضم يوسف إليه أبويه وأنزلهما عنده. وقد ذكر أكثر المفسرين أن أم يوسف كانت قد ماتت وأن من كانت مع يعقوب هي زوجة أبيه أي خالته فسمى الخالة أما كما سمّى في القرآن العم أبا. (وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) أي في حال كونكم في أمن من خوف القحط والمشقة وجميع أصناف المكاره. وعن ابن عباس أن تعليق دخولهم مصر على المشيئة لأن الناس كانوا يخافون من دخول مصر بغير إجازة الفراعنة. وقيل إنهم لمّا دخلوا مصر كانوا ثلاثا وسبعين نسمة. وأن بني : إسرائيل ـ وهم أبناء يعقوب وذراريهم ـ قد خرجوا مع موسى (ع) وهم ستمائة ألف وخمسمائة وبضع وسبعون رجلا ، ومائتا ألف امرأة وطفل. وكان فرعون في عهد موسى من أولاد الريان فرعون مصر في أيام يوسف.
١٠٠ ـ (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ ...) أي فرفع يوسف أباه وخالته على سرير الملك. وذلك بعد أن دخل الجناح الخاصّ به وادّهن وتطيّب واكتحل ولبس ثياب العز بعد أن كان لا يتطيّب ولا يكتحل مدة فراق أبيه ، ثم دخل على هذه الهيئة الفتانة وقرّب إليه أبويه (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً) أي سجدوا شكرا لله من أجل ما أعطاه من نعم (وَقالَ) يوسف (ع) : (يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ) أي هذا تفسير الحلم الذي رأيته في منامي (مِنْ قَبْلُ) أي منذ زمن بعيد حيث قصصت ذلك عليكم (قَدْ جَعَلَها) أي الرؤيا (رَبِّي حَقًّا) يعني صدقا. وقيل إنه كان بين رؤياه وبين تأويلها أربعون سنة ، وقيل ثمانون. (وَقَدْ أَحْسَنَ) الله تعالى (رَبِّي) أي لطف بي (إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) بعد تلك الفرية ، (وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ) لأنهم كانوا من أصحاب المواشي يرتحلون في طلب الكلأ والمراعي لمواشيهم ـ جاء بكم إلى هذا الملك بعد البداوة (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) أي بعد أن أفسد الشيطان بينهم وتحرّش بهم فأوقعهم في الحسد فارتكبوا ما ارتكبوه. (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) أي يدبر أمورهم على ما يريد وقد شاء بلطفه أن جمع شملنا وألّف بيننا بعد تلك الوحشة (إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) مر معناه.
١٠١ ـ (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ...) أي أن يوسف في مناجاته مع الله ، قال ربّ قد اعطيتني ملك مصر بعد أن اعطيتني النبوة وقد قيل : بأن من هنا هي للتبعيض لأنه لم يكن له الملك كلّه بل كان له شيء منه فعن الإمام الباقر (ع): إن الله تعالى لم يبعث أنبياء ملوكا إلا أربعة ... إلى أن قال : وأما يوسف فقد ملك مصر وبراريها ولم يتجاوزها إلى غيرها ... (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) فأفهمتني ما يؤدي بي إلى معرفة ما لا يعرفه غيري ، وقيل تأويل الأحاديث أي تأويل الرؤيا. (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي مبدعهما وخالقهما من العدم (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) أي متولّي أمري وناصري في معاشي ومعادي (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) أي اقبضني إليك على الإيمان بك والتسليم إليك (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) واجعلني مع صالحي عبادك الذين ارتضيتهم.
١٠٢ ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ...) أي أن بيان قصة يوسف التي قصصناها من جملة الأخبار الغيبية التي ننزلها إليك يا محمد بواسطة الملائكة (وَما