بالسير في شريعة الله ، ومطالبة بالتوبة عن السير في غيرها أو في المعصية (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) في هذا النصّ اتجاهان ، أولهما : أنّ الله ـ تعالى ـ يستجيب دعاء المؤمنين العاملين فيعطيهم مطلوبهم ويزيدهم عليه ، وثانيهما : أنّ الذين اجتمع لهم الإيمان والعمل الصالح هم الذين يستجيبون الاستجابة الكاملة لخطاب الشارع ، والله ـ عزوجل ـ يكرمهم بالزيادة من فضله فلا يزالون في ترقّ. وقد رجّح ابن كثير القول الأول. ويبدو لي ـ والله أعلم ـ أن القول الثاني هو الأرجح ، فسياق السورة يفصّل في موضوع الاتّباع الكامل لشريعة الله ، والإقامة الكاملة لدين الله ، فمن اجتمع له الإيمان والعمل الصالح فهو المرشّح لكمال العمل بالشريعة ولإقامة دين الله ـ عزوجل ـ ومما يرجّح ما ذهبنا إليه أنه قد جاء هذا بعد المنّ بقبول التوبة ، فكأن الآية تشير إلى أن المؤمنين العاملين هم التوّابون إلى الله ـ عزوجل ـ المستجيبون لأمره (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ) في الآخرة (عَذابٌ شَدِيدٌ) أي : موجع مؤلم. وأيّ عذاب أشد من عذاب النار؟! نعوذ بالله منها. ولمّا كانت الفقرة الثانية ذكرت بسط الله الرزق لمن يشاء ، فإنّ الآية تأتي معلّلة لحجب الله التوسعة في الرزق على كل الخلق ، وتأخير التعليل يشعر بوحدة المجموعة ، وليدخل الرزق الحسي والمعنوي في التعليل ، ولتكون الآية مقدمة للفقرة الرابعة كما سنرى.
(وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي : لظلموا في الأرض لأن الغنى مبطرة مأشرة ، أو لتكبّروا في الأرض (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ). قال النسفي : أي : يعلم أحوالهم فيقدر لهم ما تقتضيه حكمته فيفقر ويغني ، ويمنع ويعطي ، ويقبض ويبسط ، ولو أغناهم جميعا لبغوا ، ولو أفقرهم لهلكوا ، وما ترى من البسط على من يبغي. ومن البغي بدون البسط فهو قليل ، ولا شك أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب.
وقال ابن كثير : أي : ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك ، فيغني من يستحق الغنى ، ويفقر من يستحق الفقر ، كما جاء في الحديث المروي «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه».