قال ابن كثير : (بل هي بعض المقصود وإن مثّل بها كثير من المفسرين فليست هي المقصودة وحدها ، ولكنها مرادة قطعا من هذه الآية ؛ فإنّها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء ما لو نزل عليها مطرا لتهدّمت أبنيتها ، فيسوق الله تعالى إليها النيل بما يتحمّله من الزيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة ، وفيه طين أحمر فيغشى أرض مصر ، وهي أرض سبخة مرملة ، محتاجة إلى ذلك الماء ، وذلك الطين أيضا ، لينبت الزرع فيه ، فيستغلون كل سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم ، وطين جديد من غير أرضهم ، فسبحان الحكيم الكريم المنان المحمود أبدا. وقال ابن لهيعة عن قيس ابن حجاج عمن حدثه قال : لما فتحت مصر أتى أهلها عمرو بن العاص ـ وكان أميرا بها حين دخل بؤونة من أشهر العجم ـ فقالوا : يا أيها الأمير إنّ لنيلنا هذا سنّة لا يجري إلّا بها. قال وما ذاك؟ قالوا : إذا كانت اثنتا عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها ، فأرضينا أبويها ، وجعلنا عليها من الحليّ والثّياب أفضل ما يكون ، ثم ألقيناها في النّيل. فقال لهم عمرو : إنّ هذا لا يكون في الإسلام ؛ إن الإسلام يهدم ما كان قبله ، فأقاموا بؤونة والنيل لا يجري حتى همّوا بالجلاء ، فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك ، فكتب إليه عمر إنّك قد أصبت بالذي فعلت ، وقد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي هذا فألقها في النّيل ، فلمّا قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة ففتحها فإذا فيها : من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر. أما بعد : فإنك إن كنت إنما تجري من قبلك فلا تجر ، وإن كان الله الواحد هو الذي يجريك فنسأل الله أن يجريك. قال فألقى البطاقة في النيل ، فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة ، وقد قطع الله تلك السّنّة عن أهل مصر إلى اليوم. رواه الحافظ أبو القاسم اللالكائى الطبري في كتاب السنة له. ولهذا قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) كما قال تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنَّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا) الآية. [عبس : ٢٥ ، ٢٦]).
٩ ـ في تفسير الفتح في قوله تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) قولان. القول الأول : أن المراد به النصر في الدنيا. والقول الثاني : أن المراد به اليوم الآخر ، وابن كثير جعل المراد كلا من الاثنين. قال ابن كثير : (أي متى تنصر علينا يا محمد؟ كما تزعم أن لك وقتا تدال علينا وينتقم لك منا فمتى يكون هذا؟ ما نراك أنت وأصحابك إلا مختفين خائفين ذليلين). قال الله تعالى : (قُلْ يَوْمَ