فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) ولم يذكر ابن كثير إلا قولين : أحدهما أن المراد لقاء موسى ربه. والثاني : أن المراد لقاء رسولنا عليه الصلاة والسلام لموسى. قال ابن كثير : قال قتادة : يعني به ليلة الإسراء. ثم روى عن أبي العالية الرياحي قال : حدثني ابن عمّ نبيكم ـ يعني ابن عباس ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رأيت ليلة أسري بي موسى بن عمران رجلا آدم طوالا جعدا كأنه من رجال شنوأة ، ورأيت عيسى رجلا مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض ، سبط الرأس ، ورأيت مالكا خازن النار والدّجال» في آيات أراهنّ الله إياه (فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ) أنه قد رأى موسى ولقي موسى ليلة أسري به.
٧ ـ بمناسبة قوله تعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) قال ابن كثير : أي لما كانوا صابرين على أوامر الله ، وترك زواجره ، وتصديق رسله ، واتباعهم فيما جاؤوهم به ، كان منهم أئمة يهدون إلى الحق بأمر الله ، ويدعون إلى الخير ، ويأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، ثمّ لمّا بدّلوا ، وحرّفوا ، وأوّلوا سلبوا ذلك المقام ، وصارت قلوبهم قاسية ، يحرّفون الكلم عن مواضعه ، فلا عمل صالحا ، ولا اعتقادا صحيحا ، ولهذا قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) قال قتادة وسفيان : لما صبروا عن الدنيا ، وكذلك قال الحسن بن صالح : قال سفيان : هكذا كان هؤلاء ولا ينبغي للرجل أن يكون إماما يقتدى به حتى يتجافى عن الدنيا ، قال وكيع : قال سفيان : لا بد للدين من العلم ، كما لا بد للجسد من الخبز. وقال ابن بنت الشافعي : قرأ أبي على عمي أو عمي على أبي : سئل سفيان عن قول علي رضي الله عنه : الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ألم تسمع قوله : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا) قال لما أخذوا برأس الأمر صاروا رؤوسا. قال بعض العلماء : بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ؛ ولهذا قال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) الآية [الجاثية : ١٦ ، ١٧]. كما قال هنا : (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي من الاعتقادات والأعمال.
٨ ـ بمناسبة قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ) يمثل كثير من المفسرين لهذه الأرض بأرض مصر ، وطبعا ليس المراد بها أرض مصر فقط.