العِشْقَ الحَلالَ يُطْلِق اللّسانَ العَيِىّ ويدفع التّبلُّد ويُسَخِّى البخيل ويبعث على النِّظام ويدعو الى الزَّكاء والى عُلُوّ الهِمّة. وقيل لبعض الحكماء : انّ ابنك عَشِقَ ، فقال : الحمد لله ، الآن رَقَّتْ حواشيه ولَطُفَتْ مَبانيه ، ومَلُحَت اشاراته ، وظَرُفَت حركاته ، وحَسُنَت عباراته ، وحَلَتْ شمائله.
وقد أطلنا الكلامَ على العشق لانشغال أهل الزّمان به. ونختم ما أردنا ايضاحه بما قرأناه لأبقراط ، اذ قال :
العِشْقُ طَمَعٌ يتولَّد فى القلب تجتمع فيه موادّ من الحرص. فكلّما قَوِىَ ازداد صاحبه فى الاحتياج واللّجاج وشدّة القلق وكثرة السَّهر ، وعند ذلك يكون احتراق الدّم واستحالته الى السّوداء التى هى مِنْ أخلاط البَدن الأربعة ومنشؤها من الطّحال ، والتهاب الصَّفراء وانقلابها الى السّوداء ، ومن طغيان السّوداء فساد الفِكْر ، ومع فساده تكون الفَدامة ونُقصان العقل ، ورجاء ما لم يكن ، وتمنّى ما لم يتمّ حتّى يؤدِّى ذلك الى الجنون ، فحينئذ ربّما قتل العاشقُ نفسَه ، وربّما مات غمّاً. وربّما وصل الى معشوقه فيموت فرحا أو أسفا. وربّما شهق شهقة فتختفى منها روحه أربعا وعشرين ساعةً ، فيُظَنّ أنّه قد مات فيُقْبَر وهو حَىّ. وربّما تنفّس الصُّعَداء فتختنق نَفْسُه فى تامور قلبه ، ويضمّ عليها القب فلا تنفرج حتّى يموت. وربّما ارتاح وتشوّق للنّظر ، ورأى مَنْ يُحِب فجأة فتخرج نَفْسُه فجأة دُفعة واحدة.
وأنت ترى العَاشِقَ اذا سمع بذِكْر مَنْ يحبّ كيف يهرُب دمُه ويستحيل لونُه ، وهذا لا علاج له بتدبير من الآدميّين. وذلك انّ المكروه العارض من سبٍب قائم منفرد بنفسه تهيّأ التّلطُّف لازالته بازالة سببه. فاذا وقع السّببان وكلّ واحد منهما عِلّة لصاحبه ، لم يكن الى زوال واحد منهما سَبيلٌ.