إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) من كلام الراوي والظاهر ايضا ان قوله نزلت هذه الآية في المسافر إنما هو بالنظر إلى قوله تعالى (أَوْ عَلى سَفَرٍ). وأما النسبة إلى ابن عباس فمنشأها بحسب الظاهر ما ذكر روايته عنه في الدر المنثور بنحو روايته عن علي (ع). والكلام فيها كما تقدم. وقد ذكر في الدر المنثور من اخرج عن ابن عباس في قوله تعالى (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) قال لا تدخلوا المسجد إلا عابري سبيل تمر به مرا ولا تجلس. وعن البيهقي عن انس نحوه. وعن ابن جرير وعبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود نحوه. وعن ابن جرير عن ابن مسعود ايضا هو الممر في المسجد وفي علل الصدوق في الصحيح عن زرارة ومحمد بن مسلم عن الباقر (ع) قالا قلنا له الحائض والجنب يدخلان المسجد ام لا قال الحائض والجنب لا يدخلان المسجد إلا مجتازين إن الله تبارك وتعالى يقول (وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا). وعن العياشي عن زرارة عن الباقر نحوه. وفي تفسير القمي سئل الصادق (ع) عن الحائض والجنب وذكر نحوه. هذا كله مع ان تفسير عابري سبيل بالمسافرين يوجب التكرار المخل في الآية بقوله تعالى (أَوْ عَلى سَفَرٍ) وينحط بذلك أسلوب الآية عن كرامة القرآن الكريم. ومدلول هذه الروايات عليه اجماع الإمامية. ولا يضر فيه كلام سلار في مراسمه وكذا الصدوق في المقنع لموافقته في الفقيه والهداية للأصحاب بل وفي المقنع لما ذكره في الأخذ من المسجد والوضع فيه. ومذهب الشافعي مثل مذهب الأصحاب. ونسب اليه بناءه على جواز استعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمعنى المجازي بأن تكون الصلاة في الآية قد استعملت في معناها الحقيقي وفي موضعها وهو المسجد. ولا أظنه بناه على ذلك إذ يلزم منه منع من جاء من الغائط عن الدخول في المسجد حتى يغتسل او يتيمم وهو لا يقول بذلك فإن التفرقة في الأحكام بين المعنيين لو صح استعمال اللفظ فيهما معا إنما هي مجازفة. ولكن الوجه في دلالة الآية على ما ذكرناه هو ان نهي الجنب عن قربه للصلاة يختلج منه في الذهن نهيه عن دخوله للمسجد لأجل حرمته وشدة ارتباطه بالصلاة خصوصا في عصر النزول فكأنه من مناحي قرب الصلاة المنهي عنه فجاء قوله تعالى (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) بمنزلة الاستثناء المفرغ في دلالته على مضمونه بالمطابقة وعلى المستثنى منه بدلالة الالتزام واقتضاء الأسلوب. فكأنه قيل ولا ندخل المسجد ونحن جنب فقيل نعم إلا عابري سبيل. ولمثل هذا الأسلوب البارع وهذه الدلالة بالإشارة الجميلة نظائر في بليغ الكلام منها ما ذكرناه في الجزء الأول ص ١٥٥ من قوله تعالى (فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ). وما استشهد