وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ
____________________________________
وذهوله وغفلاته. ومثل ذلك قوله تعالى في سورة البقرة ٢٢ (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) كما أشرنا إلى وجه المنافاة في الجزء الأول ص ٧٦ وقوله تعالى ١٨٥ (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) فإن المطلوب من الاعتكاف هو الانقطاع إلى الله في المسجد للعبادة والتخلي عن التلذذ فأين هو من التلذذ بمباشرة النساء وقوله تعالى في سورة المائدة ٩٩ (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فإن الإحرام هو حبس النفس على الطاعة وترويضها بالاجتناب عن كثير من المباحات فأين هو من تطلب الصيد وقتله. وأما الجنابة فليست ظاهرة المنافاة للصلاة وإنما كشف الشارع عن ذلك إجمالا بفرض الطهارة تعبدا فلذا جاء الحال الثاني مفردا (١) وقوله تعالى (وَلا جُنُباً) الواو فيه عاطفة و «جنبا» منصوب على الحالية معطوف على الجملة و «لا» نافية تدل على دخول الحال الثاني في حيز النهي وتفيد أن المنهي عنه كل واحد من الحالين لا مجموعهما. والجنب بضم الجيم والنون من اصابتهم جنابة وهي معروفة تنشأ من خروج المني أو الوطء مع غيبوبة الحشفة او قدرها ويستوي في هذه الصيغة المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث (إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) قيل معناه إلا حال كونكم مسافرين ونسبه في التبيان إلى علي (ع) وغيره وفي مجمع البيان نسبه إلى علي وابن عباس. ولم أجد في أحاديث الإمامية رواية ذلك عن علي (ع) نعم في الدر المنثور ذكر من اخرج عنه (ع) في قوله تعالى ولا جنبا إلا عابري سبيل قال نزلت هذه الآية في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي وفي لفظ لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة فلا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء انتهى وهذه الرواية على ما بها لا تدل على ما نسب اليه (ع) لأن قوله (وَلا جُنُباً
__________________
(١) وصاحب المنار في تفسيره حاول ان يبين وجه التفرقة بين الحالين في مجيء الأول جملة اسمية دون الثاني فقال إن التعبير بجملة وأنتم سكارى يتضمن النهي عن السكر إلى ان قال وأما نهيهم عن الصلاة جنبا فلا يدل على النهي عن الجنابة. وقد اكثر التبجح بهذا في أوائل كلامه. وليت شعري من اين جاء بتضمنه النهي عن السكر من حيث الدلالة اللفظية في الجملة الاسمية. وما ذا يقول في الآيات الثلاث التي ذكرناها فهل يقول ان التعبير عن الحال فيها بالجملة الاسمية يتضمن النهي عن العلم بوحدانية الله وانه لا ند له. وعن الاعتكاف في المساجد وعن الإحرام للحج والعمرة