من المؤمنين للإجماع على الاشتراك في احكام الإسلام. ودعوى ان الخطاب للمؤمنين السكارى في حال الخطاب مجازفة باردة ومن اين علم بوجود السكارى حال الخطاب. فلا وقع لوقوع البعض في الحيص والبيص في صحة خطاب السكران وتكليفه. ولا يدل هذا النهي بإحدى الدلالات على ان شرب الخمر والمسكر حلال لكي يقال ان الآية باعتبار دلالتها على حل شرب الخمر والمسكر قد نسختها آية انما الخمر والميسر كما ذكر في الدر المنثور من أخرجه عن ابن عباس ومنهم ابو داود والنسائي. ومن الغريب ما ذكر من انه اخرج عن ابن عباس ان آية السكارى نسختها آية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) الآية ومن المعلوم ان كون الإنسان يعلم ما يقول يلزمه صحوه من السكر ولكن ذكر العلم بما يقولون لكي يشعر بوجه النهي والجهة التي تصان عنها الصلاة وللاشارة الى رذيلة السكر والخروج به عن حالة العقلاء وشرف الشعور والإنسانيه. والآية بنهيها وحكمة غايتها تدل على فساد الصلاة في حالة السكر. وقوله تعالى (لا تَقْرَبُوا) هو على معنى القرب تأكيدا لاحترام الصلاة واجتنابها حال السكر حتى باجتناب القرب منها. ومن أنحاء القرب منها دخول المسجد. وحكى عن بعضهم ان المراد لا تقربوا موضع الصلاة وهو المسجد فحذف المضاف وهو «موضع» وذكر له بعض وجها آخر وهو ان المسجد سمي في الآية بالصلاة باعتبار كثرة وقوعها فيه او سمي بذلك تعريبا لتسمية اليهود موضع عبادتهم «صلاتا» أقول ومع ان هذا كله خلاف الظاهر في نفسه يلزم منه أن تكون الأحكام الآتية في الآية احكاما للمسجد واللازم باطل لأن المساجد خصوصا في زمان الخطاب ليست معرضا لأن تكون في الاسفار حيث لا يوجد الماء كما في البراري فيتيمم لدخولها كما في قوله تعالى (أَوْ عَلى سَفَرٍ) و (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً). ولأن الإجماع قائم على انه ليس من احكام المساجد ان الذي يجيء من الغائط منهي عن دخولها حتى يتيمم ان لم يجد ماء بل ما الحكمان الا من احكام الصلاة على حقيقتها : وجملة (وَأَنْتُمْ سُكارى) حالية والواو فيها لبيان الحال. ولا يخفى ان التتبع في صحيح الكلام والتدبر له يقضي بأن الجملة الاسمية يؤتى بها في ضمن النهي حالا في مقام يكون مضمونها ظاهر المنافاة للفعل المنهي عنه فيؤتى بها استلفاتا إلى تلك المنافاة واحتجاجا لحكمة النهي. فكأنه قيل ان الصلاة المطلوب بها الطاعة في الإتيان بها بحدودها والإقبال بها في الخضوع لله وعبادته والتدبر في قراءتها وأذكارها والتوسل بدعائها كيف يؤتى بها في حال السكر مع ما يعرف من منافاة ما هو المطلوب لطيش السكر