والوجه الثاني : أن المراد بالأشهر الحرم : الأربعة التي حرم الله تعالى فيها قتالهم وأمنهم فيها ، وهي : من يوم النحر إلى العاشر من ربيع الآخر.
فقوله تعالى : (الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ) ، هي التي حرم الله تعالى فيها القتل فقط ، ولم يعن بالحرم الثلاثة السرد والواحد الفرد ، وإنما أراد الأربعة المتوالية من وقت العهد إلى العاشر من ربيع الآخر ، وهو قول الحسن.
وفيه شيء ، وهو أن اسم الأشهر الحرم لا يتعارف منه غير المعهود ، ولا يصير بسبب العهد الأشهر مسماة بالحرم ، فلا جرم اختار كثير من العلماء القول الأول.
وقال الأصم : أريد بالآية من لا عهد له من المشركين ، فأوجب أن يمسك عن قتالهم حتى ينسلخ المحرم ، وهو مدة خمسين يوما على ما ذكره ابن عباس.
قوله تعالى : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ)(١) ، يدل على جواز الأسر بدل القتل والتخيير بينهما ، ويدل على جواز قتلهم ، أو أسرهم ، على وجه المكيدة ، لقوله تعالى : (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ).
وقال ابن عباس في قوله : (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)(٢) و (ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ)(٣) وقوله : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ)(٤) ،
__________________
(١) سورة التوبة آية ٥.
(٢) سورة الغاشية آية ٢٢.
(٣) سورة ق آية ٤٥.
(٤) سورة المائدة آية ١٣