وربما احتج بعض الجهال بقوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ)(١).
وظاهره يقتضي تحريم الثلاث ، لما فيه من تحريم ما أحل الله لنا من الطيبات.
وهذا جهل ، فإن الله تعالى إنما نهانا عن تحريم طيبات أحلها لنا ، مع بقاء سبب الحل ، كما كانت العادة جارية به في الجاهلية ، من البحيرة والسائبة ، والوصيلة ، والحام(٢).
فأما إذا كان الحل عارضا لأجل الملك ، فما دام الملك قائما فله الحل ، فإذا زال الملك ، زال الحل ، كما يزول الانتفاع بالبيع في العبد والجارية والثوب.
كيف والحل في حق الأجنبية ، مع أن الأصل في الأبضاع التحريم عجب ، فأما رفع ملك ثبت له ، وحصول تحريم في ضمن ذلك ، بالرجوع إلى الأصل في تحريم الأجنبيات ، حيث لا ملك ، فلا تتناوله هذه الآية.
__________________
(١) سورة المائدة آية ٨٧.
(٢) البحيرة هي التي يمنع درها للطواغيث ، فلا يحتلبها أحد من الناس.
وأما السائبة : فهي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم. وقيل : البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الأذن ، يقال : بحرت أذن الناقة ، أي شققتها شقا واسعا ، والناقة بحيرة ومبحورة.
وأما الوصيلة والحام : فإن الوصيلة من الغنم إذا ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها.
والحام : من الإبل ، كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطواويس وسيبوه ..
يقول سبحانه في سورة لمائدة الآية ١٠٣ ، ناهيا عن هذه : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ ، وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ ، وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).