فالذي يستحب هذا القدر ، كيف يرى زوال الأذى بمجرد انقطاع الدم ، ثم لما قال تعالى :
(فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) قال :
(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ، وذلك يدل دلالة ظاهرة على تعلق قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) بقوله : (يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).
وإنما يحب الله تعالى المتطهرين باختيارهم لا غير ، فليكن قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) محمولا على التطهر بالاختيار وهو فعل ، ويكون قوله أخيرا ، بيانا لما تقدم ، وهذا على مذهب الشافعي ، فأما أبو حنيفة ، فإن بعض الأصوليين من أصحابه يقول :
إنا نعمل بالقراءتين ، فنحمل القراءة المشددة في قوله : (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على انقطاع الدم على ما دون الأكثر ، فإن عند ذلك لا يحل الوطء قبل الغسل ، والقراءة المخففة في قوله (حَتَّى يَطْهُرْنَ) على انقطاع الدم على الأكثر.
وهذا قول بعيد ، وأقل ما فيه إخراج قوله تعالى : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) عن كونه حقيقة في الاغتسال ، إذا حمل على انقطاع الدم على الأكثر ، وحمله على حقيقته في الاغتسال ، إذا كان انقطاع الدم على ما دون الأكثر ، وذلك بعيد جدا.
ولأن الآية لو كانت متناولة للحالتين ، كان تقدير الكلام : «حتى يغتسلن» في آية «ولا يغتسلن» في آية أخرى ، أو قراءة أخرى ، ويكون ذكر المحيط متناولا لهما جميعا ، ولا يكون فيه بيان المقصود ، فيكون مجملا غير مفيد للبيان.