الخامس والثمانون
هذا باب ما جاء في التنزيل حمل فيه الفعل على موضع الفاء في جواب
الشرط فجزم
فمن ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ) (١) ، فجزم «نكفر» على موضع قوله : (فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ») ، لأن تقديره : إن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن الإيتاء والإخفاء خير لكم.
والرفع فيه أيضا حسن جيد ، لمّا لم يظهر الجزم فى الفاء لم يكن به اعتداد. وقد ذكر فارسهم ذلك فقال : إذا قلت : زيدا ضربته وعمرا كلمته / ربما احتج «الزيادي» بأن قوله «ضربته» لم يظهر فيه الإعراب ، فلم يقع به اعتداد ، فى كلام طويل ذكرته فى «الخلاف».
ومن ذلك قوله تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ) (٢) ، جزم «يذرهم» حملا على موضع «الفاء» ، والرفع فيه حسن على ما قلنا.
وأما قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ) (٣) ، فإن القراء السبعة أجمعوا على رفع «ويستخلف» ولم يجزموه ، كما جزموا «ويذرهم» «ونكفر» ، إلا رواية عن حفص جزمه كما جزم أولئك فى الآيتين ، فقال قائلهم : ليس ذا بجزم ، وإنما هو اختلاس.
__________________
(١) البقرة : ٢٧١.
(٢) الأعراف : ١٨٦.
(٣) هود : ٥٧.