ألا ترى أنه أطبق مع الجماعة على إثبات النون. فقرأ : (وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) (١) ، فأثبت النون ، ولو اعتقد فى «يستخلف» الجزم حملا على موضع «الفاء» لحذف «النون» ولم يثبتها ، فثبت أنه ليس بمجزوم ، وأنما أطبقوا على الرفع لمكان «النون» فى (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) (٢) ، إذ وجدوها فى المصحف كذلك.
ومن ذلك قوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ) (٣) ، فحمل «يكن» على موضع «الفاء» فى «فأصدق» أي : موضع الفاء جزم ، وكأنه فى التقدير: إن أمهلتنى أصدق وأكن.
وأبو عمرو قرأه «وأكون» منصوبا ، بالحمل على موضع «فأصدق» ، فهذا فى الحمل على موضع الفاء ، وربما كان ينشد فارسهم قول أبى داود :
فأبلونى بليّتكم (٤) لعلّى |
|
أصالحكم وأستدرج نؤيا |
فحمل «وأستدرج» على موضع «لعلى» جزم على تقدير : «فلعلى» ، بالفاء محذوفة.
فأما ما جاء من نحو قوله : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) (٥) ، وقوله : (يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) (٦) ، فالجزم هو الجيد بالعطف على الجزاء ، وجاز الرفع فى مثله. وقد قرئ به فى «فيغفر» دون «يخرج» وجاز النصب فى «فيغفر». وقد جاء ذلك فى الشواذ ، ولم يشذ فى قوله : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ) (٧) بعد (أَوْ يُوبِقْهُنَّ) (٨) ، المنجزم بالعطف على قوله
__________________
(١) هود : ٥٧.
(٢) المنافقون : ١٠.
(٣) البلية : الناقة تعقل عند قبر صاحبها وتبلى هناك ، أي تترك لا تعلف ولا تسقى حتى تموت.
(٤) محمد : ٣٧.
(٥) البقرة : ٢٨٤.
(٦) الشورى : ٣٥.
(٧) الشورى : ٣٤.