وإذا لم تحمله على «أكل» ، وحملته على «اضطرّ» ، لم يكن لقوله «باغ» مفعول ، و «باغ» متعد.
ألا ترى قوله : (تَبْغُونَها عِوَجاً) (١) والتقدير : تبغون لها عوجا.
فإن قيل : لا يكون «باغ» هاهنا بمعنى : الطالب ، وإنما يكون من قوله : (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ) (٢). فيكون التقدير في الآية : فمن اضطرّ غير باغ على الإمام ، ولا عاد على الأمة بقطع الطريق.
قلنا : إنك في هذا القول أضمرت الجار والمجرور ، ونحن أضمرنا المفعول ، وكلاهما وإن جاء في التنزيل ، فإضمار المفعول أحسن ، لأنه أقرب وأقل إضمارا ، على أن الآية فى ذكر الميتة ، وليس من ذكر الإمام والأمة في شىء.
وأبدا إنما يليق الإضمار بما تقدم فى / الكلام حتى يعود إليه ، ولا يضمر شىء لم يجر ذكره ، والآية متعلقة به ، فجميع ما جاء في التنزيل من قوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ) (٣) إنما جاء عقيب ذكر الميتة ، وتحريم أكلها ، ولم يأت فى موضع بعد حديث الإمام والأمة ، فما بال العدول عن نسق الآية إلى إدخال شىء في الكلام ، وإضماره ، ولم يجر له ذكر ، فانتصاب «غير» إنما هو على الحال من الضمير فى «أكل» لا فى «اضطرّ».
__________________
(١) آل عمران : ٩٩.
(٢) القصص : ٧٦.
(٣) البقرة : ١٧٣.