وعندنا المراد بالآية : الجماع ، مجازا ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) (١) ، ولأنّا أجمعنا أن الجماع مراد ، فإن الشافعي أباح التيمم للجنب ، وذكر أنه في كتاب الله تعالى إلا هاهنا ، فبطل أن تكون الحقيقة ، إلا أنه يقول : أبحت التيمم للجنب ، لأن الله تعالى جعله بدلا عن الوضوء والاغتسال جملة.
وعن ابن عمر وابن مسعود أنهما كانا يحملان الآية على المس باليد ، وكانوا لا يبيحون التيمم للجنب ، فدل أن تأويل الآية بالإجماع ليس على التقديم والتأخير ، ولا يصار إلى التقديم والتأخير إلا بدليل قاطع يمنع من حمله على الظاهر ، على ما ذكرناه قبل في هذه الآي.
وكذلك قوله تعالى : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) (٢) ، أي : بل فاعبد الله ، فقدّم المفعول.
وأما قوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ) (٣) فهو في نية التقديم والتأخير ، والتقدير : نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين ، ف «اتبعوا» معطوف على (نَبَذَ) (٤) ، وقوله (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥) فى موضع الحال ، أي : نبذوه مشابهين الجهّال.
وقوله : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ) (٦) ، فى «ما» قولان :
أحدهما : أنه بمعنى : الذي ، فيكون نصبا عطفا على السّحر (٧) على «ما تتلو» ، أو جرّا بالعطف على (مُلْكِ سُلَيْمانَ) (٨).
__________________
(١) البقرة : ٢٣٧.
(٢) الزمر : ٦٦.
(٣) البقرة : ١٠٢.
(٤) البقرة : ١٠١.