وهذا لا يمتنع حذفه من الصلة ، لأنه بمنزلة المثبت ، وقد تحذف من الصلة أشياء للدلالة عليها ، ولا يجوز أن يقدّر تعلّق «من» فى قوله (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) (١) إلا بهذا ، لأنك إن قدّرت (٢) تعلّقه بغيره فصلت بين الصلة والموصول بالأجنبى ، ولا يجوز أن يقدّر فعل غير هذا ، كما قدر فى «أو» فى قوله : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) (٣) ، لأن هذا اعتراض يسدّد ما قبله ، وأنت إذا قدّرت «أو من وراء حجاب» متعلقا بشيء آخر كان فصلا بأجنبى ، إذ ليس هو مثل الاعتراض الذي يسدّد الأول.
وأما من رفع فقال : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) (٤) فينبغى أن يكون قوله «أو من وراء حجاب» متعلّقا بمحذوف ، ويكون الظرف في موضع حال ، لأن قوله (إِلَّا وَحْياً) (٥) على هذا التقدير مصدر في موضع الحال ، كأنه يكلّم الله إيحاء ، أي : موحيا ، كقولك : جئت ركضا ومشيا ، ويكون «من» فى قوله «أو من وراء حجاب» فى أنه في موضع حال ، مثل «من» فى قوله (وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٦) بعد قوله (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً) (٧) ، فهذا موضع وقعت فيه «من» ظرفا في موضع الحال ، كما وقع سائر حروف الجر ، ومعنى «أو من وراء حجاب» فى الوجه الأول : يكلّمهم غير مجاهر لهم بالكلام ، أي : يكلمهم من حيث لا يرى كما لا يرى سائر المتكلمين ، ليس أنه هناك حجاب يفصل موضعا من موضع.
__________________
(١) الشورى : ٥١.
(٢) الأصل : «فقدت».
(٣) الأنعام : ١٤٥.
(٤) الشورى : ٥١.
(٥) آل عمران : ٤٦.