وأما قوله تعالى : (أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ) (١) ، فموضع «أربى» رفع ؛ لأن قوله «أمة» اسم «تكون» وهي ابتداء ، و «أربى» خبره ، والجملة خبر «كان» ، ولا يجوز أن تكون «هى» هاهنا فاصلة ؛ لأن أمة» نكرة ، و «أربى» وإن قاربت المعرفة فيستدعى كون معرفة قبلها.
وأما قوله : (قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ) (٢) ، فقوله «جزاؤه» مبتدا. وقوله «من وجد» خبر المبتدأ ، والتقدير : أخذ من وجد ، أي : أخذ الإنسان الذي وجد الصاع في رحله ؛ والمضاف محذوف ، وفى «وجد» ضمير «الصاع» العائد إلى «من» ، الضمير المجرور بالإضافة ، «فهو جزاؤه» ذكرت هذه الجملة تأكيدا للأول ، أي أخذه جزاؤه ، و «من» بمعنى الذي / على هذا ، وإن جعلت «من» شرطا ، و «وجد في رحله» فى موضع الجزم ، والفاء فى قوله «فهو جزاؤه» جواب الشرط ، والشرط والجزاء خبر المبتدا ، جاد وجاز.
وكان (٣) التقدير : جزاؤه إن وجد الصاع في رحل إنسان فهو هو ، لكنه وضع من الجملة إلى المبتدأ عائد ، لأنه إذا كان «من» شرطا ، أو بمعنى «الذي» ، كان ابتداء ثانيا ، ويكون الفاء مع ما بعده خبرا ، وتكون الجملة خبر المبتدأ ، والعائد هو الذي وضع الظاهر موضعه.
__________________
(١) النحل : ٩٢.
(٢) يوسف : ٧٥.
(٣) توجيه هذا الرأي كما ساقه أبو حيان في البحر (٥ : ٣٣١) «جزاؤه من وجد في رحله فهو هو ، فموضع الجزاء موضع هو».