ذكر فيه وجوها ، منها حمله على حذف الخبر ، أي : أنت الهالك ؛ ولم يحمله على حذف المبتدأ ، على تقدير : هذا أنت ، لأنك لا تشير إلى المخاطب ، إلى نفسه ، ولا تحتاج إلى ذلك ، فإنما تشير إلى غيره. ألا ترى أنك لو أشرت إلى شخصه فقلت : هذا أنت ، لم يستقم.
وقال فى حد الإضمار : وزعم الخليل أن «ها» هاهنا التي مع «ذا» إذا قلت : هذا ، وإنما أرادوا أن يقولوا : هذا أنت ، ولكنهم جعلوا أنت بين «ها» و «ذا» وأرادوا أن يقولوا : أنا هذا ، وهذا أنا. فقدّموها وصارت : أنت وأنا بينهما.
وزعم أبو الخطاب أن العرب الموثوق بهم يقولون : أنا هذا ، وهذا أنا. وبمثلها قال الخليل هذا البيت :
انا اقتسمنا المال نصفين بيننا |
|
فقلت لها هذا لها وهذا ليا (١) |
كأنه أراد أن يقول : وهذا ليا ، فصير «الواو» بين «ها» و «ذا» ، زعم أن مثل ذلك : أي ها الله ذا ، إنما هو هذا. وقد يكون «ها» فى : ها أنت ذا ، غير مقدمة ، وإنما تكون بمنزلتها [للتنبيه] (٢) فى «هذا». يدلك على ذلك قوله تعالى : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ) (٣) / فلو كانت «ها» هاهنا هى التي تكون أولا إذا قلت «هؤلاء» لم تعد «ها» هاهنا بعد «أنتم».
حدثنا يونس تصديقا لقول أبى الخطاب أن العرب تقول : هذا أنت تقول كذا وكذا ، ولم ترد بقولك : هذا أنت ، أن تعرفه نفسه ؛ كأنك تريد أن تعلمه أنه ليس غيره. هذا محال. ولكنه أراد أن ينبههه كأنه قال : الحاضر عندنا أنت ، والحاضر القائل كذا وكذا أنت وإن شئت لم تقدم «ها» فى هذا
__________________
(١) البيت للبيد وهو كما في الكتاب لسيبويه (١ : ٣٧٩) :
ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا |
|
فقلت لهم هذا لهاها وذاليا |
(٢) تكملة من الكتاب.
(٣) آل عمران : ٦٦.