قلت له : أتفهم كلامي ، قال لي بالفرنج : كلما قلت فهمته ، وما ذكرت هو الحق. قال لي لو اتفقنا مع كبراء الأندلس ، ونبعث لهم عمارة من سفن كبيرة ليركبوا فيها مع جنودنا نأخذ إشبانية ، قلت : لا يمكن للأندلس أن يتفقوا على هذا إلا بإذن السلاطين الذين خرجوا ببلادهم وسكنوا بها ، قال : لو كنا نتفق مع سلطان مراكش ، ونبعث للسيد الكبير ـ أعني السلطان الأعظم ، سلطان الإسلام والدين ـ ونتفق جميعا على سلطان إشبانية نظفر به ، ونأخذ بلاده ، قلت له هذا أمر عظيم لو حصل ، وفي تحصيله شك. وأما لو كان هذا الاتفاق ، فيأخذون بلاد الأندلس ـ أعادها الله إلى الإسلام ـ وقال للرسول : أكتب رمزا في الحروف ، واعطه نسخة ، لتكون المكاتبة بيننا وبينه. وأعطاني نسخة ، ثم قال لي : تمنى علي ، معنى هذا القول : اطلب ما تحب مني ، وهي عادة عند ملوك النصارى ، أن قالوا لإنسان أطلب مني ما شئت : إنهم يعطونه ما يطلبه منهم ، ولا يقولون ذلك إلا نادرا ، لمن رضوا عنه عامة الرضا. قلت في نفسي النصارى تقول عن المسلمين أنهم طماعون كثيرا في متاع الناس ، وهذا لم ير من المسلمين إلا قليلا منهم ـ وأنا أحدهم ـ وليعلم ويتحقق أن الذي يقولونه فيهم ليس بصحيح ، ولمن فيهم من لا يطمع في ماله ، فلا نطلب منه مالا ، قلت له : أطلب من فضلك مسألة أو شيئا ، قال : ما تطلب ، قلت : أن توصي بنا رايس السفينة التي نمشي فيها ، قال : هذا فقط ، قلت : نعم ، فابحث حتى تتحقق من السفينة التي تمشي ، واعرف إسم الرايس ، وأيضا إسم التاجر مولا السفينة ، واتني. فأخبرنه بأسمائهما ، وأمر الكاتب للسر (١٧٠) أن يكتب لكل واحد براة بالوصية علينا ، وعلم عليها ، وفرح كل واحد بكتابه ، فالتاجر استعمل لنا من السكر أنواعا من الأطعمة ، وأعطانا حتى التمر التي هي غريبة عندهم ، لأنها مجلوبة من بلاد المسلمين ، إذ ليس هي في الدنيا ، إلا في بلادهم. وأما الرسول الذي فرح بي في بلاده قلت له : إن (١٧١) تركيتين ببلاد الفرنج ببريش ، واتفق لهما بأن دخلنا في دين النصارى ، وطلبتا مني أن أدبر عليهما حتى ترجعا إلى بلاد المسلمين ، وأنا راجع
__________________
(١٧٠) «ب» : لكاتب سره.
(١٧١) «ب» : قلت له اعلم أن.