الباب الثاني
في قدومنا إلى بلاد المسلمين
وما اتفق لنا عند خروجنا من النصارى
اعلم ـ رحمك الله تعالى ـ أن البلاد التي على حاشية أبحر من بلاد الأندلس ، وأيضا فيما لهم في بلاد المسلمين ، أن النصارى فيها من الحرص والبحث في من يرد عليها من الغربا شيئا كثيرا. كل ذلك لئلا يذهب أحد أو يجوز عليهم إلى بلاد المسلمين ، وهمني الأمر كثيرا في كيفية الخروج من بينهم ، وركبت البحر في بلد يسمى شنت مريا (٥٩) ، وكان لي صاحب من بلدي من أهل الخير والدين ومشى معي مهاجرا إلى الله وبلاد الإسلام وسبل نفسه وأهل القارب لا يشكون فينا بأننا منهم ، فقطعنا البحر في يومين ونزلنا في بلد يسمى بالبريجة (٦٠) هو للنصارى وليس بينه وبين مدينة مراكش إلا نحو الثلاثة أيام للماشي المتوسط ، وتعجب من المنع الذي في بنيان سورها ، هو أساسه على حجر صلد ، وسقفه ثلاثة عشر ذراعا ولا يبالي بكور المدافع من إتقانه وغلظه ، حتى شاهدت ثلاثة من الفرسان بخيلهم يدفعون خيلهم جملة على السور ولا يخافون الوقوع منه ، ولما أن دخلنا سألنا القبطان : ما سبب قدومكم؟ قلت له : وقع لنا شيء من التغيير مع أناس ببلاد الأندلس وجئنا إلى حرمتكم ، قال : مرحبا بكم ، قلت أحب منك أن تأذن لنا في رجوعنا إلى بلادنا مهما أردنا ، قال : أذنت لكما ونزلنا عندهم واشتريت حصانا من أحسن الخيل ، وصرت من فرسانهم ، وكنت أحب أشتري آخر لصاحبي ولم يتيسر. وتلك البريجة في ركن من الأرض والبحر داير بها من الجانبين ، ولا يخرج أحد من البلد حتى تتقدم الفرسان ، ويقتسمون ، ويجوزون من البحر إلى البحر من الجانب الآخر البساتين مع البريجة ، وليس لأحد من النصارى أن يجوز الحد الذي تكون فيه
__________________
(٥٩) يقصد ميناءSanta Maria.
(٦٠) يقصد الجديدة ، وكانت آنذاك تحت حكم البرتغاليين.