اسمه أبو فارس ،
وكان ذلك في نحو أربعة عشر سنة وألف. ومشى بهم رسولا بدرمرتين الذي التقيت به من
غير ظن ، وذلك بإلهايه ، وهي بلاده. وبعد أن جلس هذا الرسول بمراكش سنين في زمن
الهرج والشر ، ثم ثبت في المملكة السلطان مولاي زيدان ، فسجن هذا الرسول ، لأنه ما
مشى بالهدية في زمانه ، وبعد أن جاز زمن على الرسول في سجنه ، بلغني الخبر ،
وتذكرت الخير الذي عملوا للمسلمين حين بعثوهم هدية إلى ملتهم. وقفت ، ودبرت ،
وكلمت ، المفتي العالم الشهير محمد أبا عبد الله . وكلم السلطان وانطلق من السجن ، فلما أن زارني ببلاده مشى
إلى الأمير ، وأعلمه ، وحملني إلى عنده ـ واسم الأمير مورسي ـ وأقبل علي ، وعرّ
رأسه ، وأخذ بيدي ، وأجلسني معه ، وزرته أربع مرات. وبعد أن جلست يوما قال لي :
ماذا تعرف من الألسن ، قلت له : العربية ، ولسان إشبانية ، ولسان أهل برتغال ،
وكلام الفرنج نفهمه ولكن ما نعرف نتكلم به. قال لي : فأنا نعرف كلام الفرنج ،
ونفهم كلام إشبانية ـ وهو كلام أهل بلاد الأندلس كما قلنا مرارا ـ ولا أعرف أتكلم
به ، وإلى هذا فأكلمك بالفرنج ، وتكلمني بلسان أهل بلاد الأندلس العجمي ، قلت :
نعم ، قال لي : ما السبب الذي ظهر لك حمل سلطان إشبانية على إخراج الأندلس من
بلاده ، قلت : اعلم أن الأندلس كانوا مسلمين في خفاء من النصارى ، ولكن تارة يظهر
عليهم الإسلام ، ويحكمون فيهم ، ولما تحقق منهم ذلك لم يأمن فيهم ، ولا كان يحمل
منهم أحدا إلى الحروب ، وهي التي تفني كثيرا من الناس ، وكان أيضا يمنعهم من ركوب
البحر لئلا يهربوا إلى أهل ملتهم ، والبحر يفني كثيرا من الرجال ، وأيضا في
النصارى كثيرون قسيسون ، ورهبان ، ومترهبان ، ومترهبات ، وبتركهم الزواج ينقطع
فيهم النسل ، وفي الأندلس لم يكن فيهم قسيسون ولا رهبان ولا مترهبات ، إلا جميعهم
يتزوجون ، ويزداد عددهم بالأولاد ، وبترك الحروب ، وركوب البحر. وهذا الذي ظهر لي
حمله على إخراجهم ، لأنهم بطول الزمن يكثرون ، ثم
__________________