٤ ـ وبمناسبة قوله تعالى : (وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها) نقول : إن الآية يمكن أن تفهم فهمين : فهما قريبا ، وفهما بعيدا ، أما الفهم القريب فهو ما ذكرناه ، وأما البعيد فإنما يدلنا عليه ما نراه في عصرنا ، فإن الأرض كلها في عصرنا تتطور نحو التحسين والتزيين بشكل كبير ، وأصبح أهل الأرض قريبين من الشعور بأنهم مسيطرون عليها ، متمكنون منها ، حتى لو أرادوا أن يفنوا ما على الأرض بالقنابل الذرية والهيدروجينية وغيرهما لفعلوا ، ولا يبعد أن يأتي يوم يزداد هذا الشعور ، وعلى هذا الفهم فقد يكون ما نحن فيه علامة على أن عمر الأرض أصبح قريبا ، وأن الساعة أصبحت قريبة ، وهي قريبة بنص القرآن ، ولكن المراد أن الأمر قد شارف ، وعندئذ تكون الأرض كلها كأن لم تغن بالأمس. وهكذا نجد النص القرآني يسع الزمان والمكان والإنسان ، فهذه الآية فيها إنذار للفرد والجماعة ، وفيها إنذار للبشرية كلها
٥ ـ عقب النسفي على ما ضرب الله من مثل للحياة الدنيا بقوله : (وهذا من التشبيه المركب : شبهت حال الدنيا في سرعة تقضيها وانقراض نعيمها بعد الإقبال ، بحال نبات الأرض في جفافه وذهابه حطاما بعد ما التف وتكاثف وزين الأرض بخضرته ورفيفه ، وحكمة التشبيه التنبيه على أن الحياة صفوها شبيبتها ، وكدرها شيبتها ، كما أن صفو الماء في أعلى الإناء ، قال :
ألم تر أن العمر كأس سلافة |
|
فأوله صفو وآخره كدر |
وحقيقته : تزين جثة الطين ، بمصالح الدنيا والدين ، كاختلاط النبات على اختلاف التلوين ، فالطيبة تنبت بساتين الأنس ، ورياحين الروح ، وزهرة الزهر ، وكروم الكرم ، وحبوب الحب ، وحدائق الحقيقة ، وشقائق الطريقة ، والخبيثة تخرج خلاف الخلف ، وثمام الإثم ، وشرك الشرك ، وشبح الشح ، وحطب العطب ، ولعاع اللعب ، ثم يدعوه معاده ، كما يحين للحرث حصاده ، فتزايله الحياة مغترا ، كما يهيج النبات مصفرا ، فتغيب جنته في الرمس ، كأن لم تغن بالأمس ، إلى أن يعود ربيع البعث ، وموعد العرض والبحث. وكذلك حال الدنيا ، كالماء ينفع قليله ويهلك كثيرة ، ولابد من ترك ما زاد ، كما لابد من أخذ الزاد ، وآخذ المال لا يخلو من زلة ، كما أن خائض الماء لا ينجو من بلة ، وجمعه وإمساكه تلف صاحبه وإهلاكه ، فمادون النصاب كضحضاح ماء يجاوز بلا احتماء ، والنصاب كنهر حائل بين المجتاز ، والجواز إلى المفاز لا يمكن إلا بقنطرة وهي الزكاة ، وعمارتها بذل الصلات ، فمتى اختلت القنطرة غرقته