رِسالَتَهُ) يردّ النسفي على اعتراض ، قال : قالت الملحدة لعنهم الله تعالى : هذا كلام لا يفيد وهو كقولك لغلامك : كل هذا الطعام ، فإن لم تأكله فإنك ما أكلته. قلنا : هذا أمر بتبليغ الرسالة في المستقبل أي بلّغ ما أنزل إليك من ربك في المستقبل ، فإن لم تفعل : أي إن لم تبلّغ الرّسالة في المستقبل فكأنّك لم تبلّغ الرّسالة أصلا. أو بلّغ ما أنزل إليك من ربك الآن ولا تنتظر به كثرة الشوكة والعدّة ، فإن لم تبلّغ كنت كمن لم يبلّغ أصلا. أو بلّغ ذلك غير خائف أحدا ، فإن لم تبلّغ على هذا الوصف فكأنّك لم تبلغ الرسالة أصلا.
٢ ـ في قوله تعالى : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) معجزة غيبية. إذ هي وعد من الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم أن لا يسلّط عليه من يقتله مع كثرة دواعي القتل من كثرة الخصوم وشراستهم. وقد كان ذلك ، وتوفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفاة. ومن درس كثرة المؤامرات عليه صلىاللهعليهوسلم من قريش ، وغير قريش واليهود ، وسلامته عليه الصلاة والسلام مع هذا كله أدرك كمال المعجزة. وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحرس ويحب أن يحرس حتى نزلت هذه الآية ، فترك الحراسة.
في الصحيحين وعند الإمام أحمد أنّ عائشة رضي الله عنها كانت تحدّث «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم سهر ذات ليلة ، وهي إلى جنبه ، قالت : فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : «ليت رجلا صالحا من أصحابي يحرسني الليلة» قالت : فبينا أنا على ذلك ، إذ سمعت صوت السّلاح فقال : «من هذا؟» ، فقال : أنا سعد بن مالك. فقال : ما جاء بك؟ قال : جئت لأحرسك يا رسول الله. قالت : فسمعت غطيط رسول الله صلىاللهعليهوسلم في نومه». وروى ابن أبي حاتم عن عائشة قالت : «كان النّبي صلىاللهعليهوسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) قالت : فأخرج النبي صلىاللهعليهوسلم رأسه من القبّة ، وقال : «يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله عزوجل» وهكذا رواه الترمذي. وروى ابن مردويه عن عصمة بن مالك الخطمي قال : كنا نحرس رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالليل حتى نزلت : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فترك الحرس.
ومن تتبع حوادث السيرة ، عرف كثرة المؤامرات عليه في أمّة كان الفتك والثأر خليقة من أخلاقها. ومن ذلك قصة غورث بن الحارث المشهورة في الصحيح ، وهي كما رواها ابن مردويه عن أبي هريرة قال : «كنا إذا صحبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها فينزل تحتها ، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلّق سيفه فيها ، فجاء رجل فأخذه فقال : يا محمد من يمنعك مني؟ ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :