«الله يمنعني منك ، ضع السيف» فوضعه ، فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) ومن ذلك ما رواه جعدة بن خالد بن الصمة الجشميّ رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم ، ورأى رجلا سمينا ، فجعل النّبي صلىاللهعليهوسلم يومىء إلى بطنه بيده ، ويقول : «لو كان هذا في غير هذا لكان خيرا لك». قال : وأتي النبي صلىاللهعليهوسلم برجل ، فقيل : هذا أراد أن يقتلك ، فقال له النبي صلىاللهعليهوسلم لم ترع ولو أردت ذلك لم يسلطك الله علي». قال ابن كثير تعليقا على هذا النّص : «ومن عصمة الله لرسوله صلىاللهعليهوسلم حفظه له من أهل مكّة وصناديدها وحسّادها ومعانديها ومترفيها ، مع شدّة العداوة والبغضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارا ، بما يخلقه الله من الأسباب العظيمة بقدره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرّسالة بعمّه أبي طالب ، إذ كان رئيسا مطاعا كبيرا في قريش ، وخلق الله في قلبه محبّة طبيعيّة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لا شرعيّة ، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفّارها وكبارها ، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر ؛ هابوه واحترموه ، فلما مات عمّه أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرا ، ثم قيّض الله له الأنصار ، فبايعوه على الإسلام ، وعلى أن يتحوّل إلى دارهم ـ وهي المدينة ـ فلما صار إليها حموه من الأحمر والأسود ، وكلمّا همّ أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله وردّ كيده عليه ، لما كاده اليهود بالسّحر فحماه الله منهم ، وأنزل عليه سورتي المعوّذتين دواء لذلك الداء. ولمّا سمّ اليهود ذراع تلك الشاة بخيبر ، أعلمه الله وحماه منه ، ولهذا أشباه كثيرة جدا يطول ذكرها.»
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) أي : لستم على دين يعتدّ به حتى يسمّى شيئا لبطلانه (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) بالإيمان بكل ما فيهما ، والعمل بكل ما فيهما ، ومن ذلك الإيمان بمحمّد صلىاللهعليهوسلم واتّباعه (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ).
أي : القرآن (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً). أي : سيزدادون عند نزول القرآن لحسدهم تماديا في الجحود ، وكفرا بآيات الله (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ). أي : فلا تتأسّف عليهم ، فإنّ ضرر ذلك يعود إليهم لا إليك (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا). وهم المسلمون (وَالَّذِينَ هادُوا) وهم حملة التوراة (وَالصَّابِئُونَ) قال أبو الزناد هم قوم مما يلي العراق ، وهم بكوثى ، وهم يؤمنون بالنبيّين كلهم ، ويصومون كل سنة ثلاثين يوما ، ويصلون إلى اليمن كل يوم خمس صلوات. أقول : ولا زال في العراق ناس يسمّون صابئة (وَالنَّصارى). أي :