والمرض ، في حالة اليسر والعسر ، وفي جميع الأحوال لأنها لا تخلو من حالة مسرة ومضرة.
وافتتحت الصفات بذكر الإنفاق لأنه أشق شىء على النفس ، وأدله على الإخلاص ، ولأن الحاجة دائما شديدة إليه في مجاهدة العدو ، ومواساة فقراء المسلمين. (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) أي والممسكين الغيظ عن الإمضاء ، والغيظ : توقد حرارة القلب من الغضب ، وكظمه أن يمسك على ما في نفسه منه بالصبر ، ولا يظهر له أثرا ، فالمتقون إذا ثار بهم الغيظ كظموه ، بمعنى كتموه فلم يعلموه ، (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) أي : إذا جنى عليهم أحد لم يؤاخذوه ، فى وصفهم بكظم الغيظ بين تعالى أنهم لا يعملون غضبهم في الناس ، بل يكفون عنهم شرهم ، ويحتسبون ذلك عند الله. وفي هذه الصفة أثبت الله لهم أنهم مع كف الشر يعفون عن من ظلمهم في أنفسهم ، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد ، وهذا أكمل الأحوال ، إذ إنه من مقامات المحسنين ، ومن ثم ختمت هذه الآية بقوله تعالى : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال الثوري : «الإحسان أن تحسن إلى المسىء ، فإن الإحسان إلى المحسن متاجرة» والإحسان أوسع مدلولا ، فهو فعل الحسن ، والأحسن مع الإخلاص لله. (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) الفاحشة : هي الكبيرة كالزنا وشرب الخمر. (أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ) بلسانهم أو بقلوبهم ليبعثهم على التوبة. (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) فتابوا عنها لقبحها نادمين. والمعنى : أنهم إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار. (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) أي : لا أحد يغفر الذنوب إلا الله ، وفي قوله تعالى هذا تطييب لنفوس العباد ، وتنشيط للتوبة ، وبعث لها ، وردع عن اليأس والقنوط ، وبيان لسعة رحمته ، وقرب مغفرته من التائب ، وإشعار بأن الذنوب وإن جلت ، فإن عفوه أجل ، وكرمه أعظم. (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا) أي : ولم يقيموا على قبيح فعلهم ، والإصرار : الإقامة ، أي تابوا من ذنوبهم ، ورجعوا من قريب ، ولم يستمروا على المعصية ، ويصروا عليها ، ولو تكرر منهم الذنب ، تابوا منه. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أن من تاب ؛ تاب الله عليه.
في الصحيحين عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أن رجلا أذنب ذنبا فقال رب إني أذنبت ذنبا فاغفره لي ، فقال الله ـ عزوجل ـ عبدي عمل ذنبا فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ، ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب إني عملت ذنبا فاغفره ، فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي ،