عليه أهل الجاهلية. فكانوا فى الجاهلية يقولون : إذا حل الدين ، إما أن تقضي ، وإما أن تربي ، فإن قضاه وإلا زاده في المدة ، وزاده الآخر في القدر ، وهكذا كل عام ، فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيرا مضاعفا. (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.) مر معنا في أول سورة البقرة أن المفلحين هم المتقون ، وههنا أمرنا بالتقوى لتحصيل الفلاح.
وقد مر معنا في أول سورة البقرة وصف المتقين ، وسيأتي بعد قليل وصف لهم ، وسنرى هنا أن أول صفة من صفاتهم الإنفاق في السراء والضراء ، وقد رأينا في آخر سورة البقرة كيف جاء تحريم الربا بعد سياق الأمر بالإنفاق.
وههنا يأتي الأمر بترك الربا ، وفي سياقه يأتي الحض على الإنفاق ؛ لأن المرابي والربا على طرفي نقيض مع المنفق والإنفاق. والأمر بالتقوى في هذا السياق ، وتعليق الفلاح عليها أمر يترك أكل الربا بشكل ضمني ، وإشارة إلى عدم الفلاح معه. ثم توعد الله بالنار وحذر منها فقال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ.) كان أبو حنيفة يقول : هي أخوف آية في القرآن ؛ حيث أوعد الله المؤمنين بالنار المعدة للكافرين إن لم يتقوه في اجتناب محارمه ، ثم أتبع ذلك بتعليق رجاء المؤمنين لرحمته بتوفرهم على طاعته ، وطاعة رسوله فقال : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قال النسفي : «وفيه رد على المرجئة في قولهم «لا يضر مع الإيمان ذنب ولا يعذب بالنار أصلا». وعندنا : غير الكافرين من العصاة قد يدخلها ، ولكن عاقبة أمره الجنة. وفي ذكره تعالى (لعل وعسى) فى نحو هذه المواضع ـ وإن قال أهل التفسير إن لعل وعسى من الله للتحقيق ـ ما لا يخفى على العارف من دقة مسلك التقوى ، وصعوبة إصابة رضى الله تعالى ، وعزة التوصل إلى رحمته وثوابه ، ثم ندبنا تعالى إلى المبادرة إلى فعل الخيرات والمسارعة إلى نيل القربات. فقال تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) كما أعدت النار للكافرين ، أعدت الجنة للمتقين ، ومعنى المسارعة إلى المغفرة والجنة : الإقبال على ما يوصل إليهما من طاعة وإخلاص ، جمعة وجماعة. قال ابن كثير : وقد قيل إن في قوله (عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) تنبيها على اتساع طولها ... وقيل بل عرضها كطولها. لأنها قبة تحت العرش ، والشىء المقبب والمستدير عرضه كطوله ، وقد دل على ذلك ما ثبت في الصحيح «إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس فإنه أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، ومنه تفجر أنهار الجنة ، وسقفها عرش الرحمن» ، ثم وصف الله أهل الجنة المتقين فقال : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ.) أي : في الشدة والرخاء ، والصحة