ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب إني عملت ذنبا فاغفره لي. فقال عزوجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ، قد غفرت لعبدي. ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب إني عملت ذنبا فاغفره فقال : الله عزوجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به أشهدكم أني قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء». (أُولئِكَ) أي الموصوفون بما ذكر. (جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ) أي : بأن يتوب عليهم. (وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) يعطيهم إياها برحمته ماكثين فيها أبدا. (وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) يعني : المغفرة والجنات. (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) أي قد مضت من قبلكم قوانين مما سنه الله تعالى ، تجري على خلقه بإرادته وقدرته ، منها ما هو خاص بالمؤمنين ، ومنها ما هو خاص بالأنبياء والمرسلين. وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل ، هذه السنن مذكورة في الكتاب والسنة ، فلا يعرفها إلا عالم بالكتاب والسنة ، ومن استكشفها وعلمها ، استطاع أن يعرف الحاضر ، وأن يتحسس المستقبل ، ومن سنة الله أن جعل العاقبة للتقوى والمتقين ، وأن جعل الدائرة في النهاية تدور على المكذبين والكافرين ولهذا قال : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) أي نهاية المكذبين للرسل ، من الاستئصال ، والهلاك ، والعذاب ، والهزيمة. وهذه الآية مقدمة لما سيقصه الله علينا من سنن أثناء الكلام الطويل عن غزوة أحد ، ودروسها ، وما رافقها مما تحتاجه الأمة الإسلامية في كل حين. (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ) أي : هذا القرآن فيه توضيح لكل ما يحتاجه الناس ، كما فيه توضيح لسنن الله التي لا تتخلف ، أنعم به على الناس جميعا. (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) ومع ما حوى من بيان ، ففيه الهداية الكاملة ، والإرشاد الكامل للقلوب ، والأنفس ، والأجسام ، وفيه ترغيب ، وترهيب ، وزجر عن المحارم ، ولكن هذا الهدى ، وهذه الموعظة لا يستفيد منها إلا المتقون ، الذين اتقوا الشرك والمعاصي ، وأقبلوا على الله بطاعة أوامره.
كلمة حول السياق :
لاحظنا أن سورة آل عمران إنما هي تفصيل لما أجمل في مقدمة سورة البقرة ، وتفصيل لما تحتاجه إقامتها من معان. وفي مقدمة سورة البقرة وصف للمتقين. وفي الآية الأولى منها قوله تعالى (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.) وفي آخر الوصف قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.)