هذه المدرسة؛ رأيناه القائم علي ادارتها واستمراريتها بعد أبيه ، ووجدناه المشفق الحدب علي اغناء هذه المدرسة واثرائها ، فكان العامل اليقظ علي تطبيق أهدافها المركزية من جهة ، والناشط الواعي في نمو حركتها من جهة أخري ، وقد حقق ذلك بما عرف عنه بأنه الرائد المتمرس لمعالم التحضر الانساني ، والقائد المجرب في ميادين التجديد والابداع.
ولم يكن الامام مخلي السرب ، آمن الجريرة ، وليس لديه من النفوذ ما يجعله في وضع استقراري يحمد عليه ، وليست له الحرية الكاملة في التحرك والانطلاق ، ومع هذا كله ، لم تكن السجون والمعتقلات التي تعرض لها ، ولا موجات الارهاب السياسي التي واجهها لتعيق مسيرة هذه المدرسة الصاعدة ، لأن الكفاح في غمرات هذا المناخ كان متواصلا علي أية حال ، حتي ان رسائله واجاباته وفتاواه لتصدر عنه وهو في غياهب السجون ، فيتلقاها تلامذته وأولياؤه بالنشر والاذاعة وابلاغ الناس.
ولم تكن الرقابة الصارمة لتحد من نشاط هذه المدرسة الا بحدود ، وذلك أن الامام قد غرس في كل دار منها نبتة طيبة تجد التربة الصالحة للازدهار والاثمار ، فيتناولها تلامذته المقربون بكل حرص وأمانة ، وهم أداة التبليغ الاسلامي الأمين.
ان معاناة الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) كانت كفيلة بالقضاء علي كيان هذه المدرسة ، ولكن الشعلة ما كان لها أن تنطفيء ، وقد خلق من حولها الرواة والمحدثون والأعلام يذكون جذوتها ، ويتابعون ايراءها وايقادها ، وهي تزدهر ما بين المغرب والمشرق. ومن هنا بلغت الذروة في العطاء السائر الذي يدان فيه للامام عبر تطلعاته في جعل العلم بديلا لجاهلية النظام العباسي في كل ممارساته التي تدل علي الجهل والضلال والزيغ المتعمد ، وكان ذلك خطرا داهما علي كيان الأمة يهددها بالدمار والبوار ،