حينما رأي مسؤوليته تقتضي هذا الموقف. فأعلنها ثورة عارمة ضد الظلم والاستبداد
والانحراف العقائدي ، فضحي بنفسه وآله وصحابته ، فكان مضرب المثل في الاباء والشمم
والفداء والتضحية ، وذهب شهيد عظمته علي مذبح الحرية والوعي الديني ، وهو وان لم
يحقق نصرا فعليا في معركة الطف ، ولكنه حقق نصرا مستقبليا قوض فيه أركان الحكم
الأموي ، وأبقي جذوة النضال الديني متقدة مع الأجيال ، وظل رمزا شاخصا لكل عمل
ثوري في تأريخ الاسلام. بينما نجد ولده الامام زينالعابدين (عليهالسلام) وقد عاش مأساة الطف بكل مشاهدها الدامية ، كن قد ادرع الصبر لباسا ، وأحيا
ثبات الأبطال قائدا ، وجدد عهد الرسول الأعظم داعيا ، وأعلن حقوق الانسان مشرعا ، فعاد
ما أثر عنه يفوق مقررات الأمم المتحدة ، ومنظمات حقوق الانسان الدولية.
وكان الامام
محمد الباقر (عليهالسلام) مؤسسا لمدرسة أهل البيت في فروعها العلمية المتعددة ، ومجددا
للحضارة الاسلامية علي رأس القرن الثاني من الهجرة ، حينما كان الجهل مسيطرا علي
الحياة الاجتماعية ، وحينما كانت الدعوات منحرفة عن النهج السوي ، ونزغات النزق واللهو
متحكمة في ضمير الجيل الناشيء ، فكانت ظاهرة العلم الرفيع الهادف يتزعمها الامام
الباقر (عليهالسلام) ، مبتعدا عن مظاهر الزيف المعقدة في الجهل والغرور والدجل
السياسي ، متحفزا لخلق جيل تتكافأ فرصه الثقافية بما يتناسب مع حمل الاسلام نظاما وعقيدة
وحياة ، فكان له ذلك.
وحينما تسلم
الامام الصادق (عليهالسلام) قيادة الأمة ، بعد وفاة أبيه ، عام (١١٤ ه) ، اتجه
بالركب الحضاري ـ وقد رسخت أصوله ـ الي مبدأ جديد من القيم العليا ، في حين تتصارع
الأحزاب ورجال المؤامرات في الساحة علي استصفاء الملك والسلطان ، الا أن تجربة
الامام الصادق في السياسة