تمثل التقلب السياسي والعقائدي المرير ، فقد انقسمت الأمة علي نفسها فئويا ومذهبيا نتيجة التخطيط السياسي الحاكم ، وانقسم أتباع أهل البيت أنفسهم ، فكان الأمر يدور بين الافراط والتفريط. وانقسم الحكام أنفسهم فيما بينهم ، فبين قائل بابادة الأئمة واستئصالهم علنا ، وبين من مهد لذلك بالسجن والاستدعاء ، وبين من فرض حدود الرقابة الصارمة ، فكمت الأفواه ، وخمدت الأنفاس ، الا أن الثورات الدموية من هنا وهناك بددت مناخ الصمت حينا ، واستبدلته بقعقعة اللجم واحتكاك الأسنة حينا آخر ، فنتج عن هذا وذاك ضبط وشماس ، أدي الي الانكماش الاجتماعي من جهة ، والي الانهيار النفسي من جهة أخري. وعاش الامام بين ذلك في رقابة ورصد واعتقال ، ولكن صفحته هي البيضاء في نظر التأريخ ، وقد انجلت عن واقع مؤثر في الأحداث ، فرغم (صفحه ٢٧) المنظور الضيق في التفكير والارادة والتنفيذ لدي الطبقة الحاكمة ، نجد الامام منفتحا في نظرته الشمولية الي الأمة ، والأمة في مناخ مرير لا تحسد عليه في البؤس والحزن والشقاء ، حتي ليغيب الأمل المرتقب عن الميدان ، واذا بالامام يتقدم في خطواته المضادة للاتجاه السلطوي ، فينقذ الأمة من التدهور والضياع ، ويرتفع بها تدريجيا الي مستوي الحياة المليئة بالأمل والتفاؤل ، فيقضي علي التيار التشاؤمي العارم لدي كثير من الأحاسيس والعواطف المغالية بالانكماش والكآبة ، وهما داء قد استشري في عصر الامام حتي عاد داء العصر نتيجة افرازات مغرقة في الحيف والعسف والاستبداد ، فأدي الي التمزق الداخلي في صفوف الأمة ، فتداركه الامام بقدراته الفائقة علي التغيير ، فأعاد للأمة الاستقرار النفسي المفقود باذكائه الجذوة الكامنة في قرارة النفس الانسانية ، فأفاقت مستيقظة علي هدير هذا الانبعاث الجديد الذي انتشلها من ذلك المستنقع الغارق بالتشاؤم والخمول والحزن السرمدي.