ويقولون : هوت أمّه. أو سقط سقوطا لا نهوض بعده.
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٨٢)
الاهتداء : هو الاستقامة والثبات على الهدى المذكور وهو التوبة والايمان والعمل الصالح ، ونحوه قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) وكلمة التراخي دلت على تباين المنزلتين دلالتها على تباين الوقتين في «جاءني زيد ثم عمرو» أعنى أنّ منزلة الاستقامة على الخير مباينة لمنزلة الخير نفسه ، لأنها أعلى منها وأفضل.
(وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى (٨٣) قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى)(٨٤)
(وَما أَعْجَلَكَ) أى شيء عجل بك عنهم على سبيل الإنكار ، وكان قد مضى مع النقباء إلى الطور على الموعد المضروب. ثم تقدمهم شوقا إلى كلام ربه وتنجز ما وعد به ، بناء على اجتهاده وظنه أن ذلك أقرب إلى رضا الله تعالى ، وزل عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة ، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ، فالمراد بالقوم : النقباء. وليس لقول من جوز أن يراد جميع قومه وأن يكون قد فارقهم قبل الميعاد وجه صحيح ، يأباه قوله (هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) وعن أبى عمرو ويعقوب : إثرى ، بالكسر وعن عيسى بن عمر : أثرى بالضم. وعنه أيضا : أولى بالقصر. والإثر أفصح من الأثر. وأما الأثر فمسموع في فرند السيف (١) مدوّن في الأصول. يقال : إثر السيف وآثره ، وهو بمعنى الأثر غريب. فإن قلت : (ما أَعْجَلَكَ)
__________________
لأعرابى» يقول : سقط ابني من فوق جبل عال. فعلى بمعنى فوق ، ولو قرئ : على ، بالضم ـ جمع علية ـ لجاز ، أى : سقط عن ذرى جبل عال ، فالشرف : مصدر مستعمل في الوصف مجاز ، يهول : أى يخيف ، عقابه : ارتفاعه. وصعد ـ بالكسر ـ صعدا ـ بفتحتين وضمتين ـ صعودا : ارتفع ، والضمير للعقاب أو للشرف ، فهو من إضافة المصدر لفاعله. ويجوز أنه من اضافته لمفعوله ، أى : صعوده عليه. وخص العقاب ، لأنه أشد الطير صعودا ، لا سيما عقاب ذلك الجبل العارف به. وكرر «هوى» لإظهار التحزن ، أى : سقط من رأس ثنية عالية يرقب فيها الرقيب ، فمزقت كبده تحتها ، أى : بجانبها ، فكيف ببقية جسمه. ويروى : ففزت. بتشديد الزاى بمعنى فزعت. وروى «ففرت» بتشديد الراء ، وأصله : فريت. وهذه لغة طيئ. يقولون : المرأة دعت في دعيت. والدار بنت في بنيت ، ثم قال : يلومني الناس على البكاء مع أننى ألمسه ، من بابى قتل وضرب ، أى : أريد لمسه فلا أجده ، وكيف يلام حزين هرم يئس من رجوع ولده إليه ، أو من أوان التوالد. وقيل : إن القائل أم القتيل ، لكن يروى يعد البيت الأول :
فلا أم فتبكيه |
|
ولا أخت فتفتقده |
هوى عن صخرة صلد |
|
ففرت تحتها كبده |
إلى آخره.
(١) قوله «فرند السيف» أى ربده ووشيه ، كذا في الصحاح. (ع)