وَنَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى (٨٠) كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى)(٨١)
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) خطاب لهم بعد إنجائهم من البحر وإهلاك آل فرعون. وقيل : هو للذين كانوا منهم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منّ الله عليهم بما فعل بآبائهم والوجه هو الأوّل ، أى : قلنا يا بنى إسرائيل ، وحذف القول كثير في القرآن. وقرئ «أنجيتكم» إلى «رزقتكم» ، وعلى لفظ الوعد والمواعدة. وقرئ (الْأَيْمَنَ) بالجر على الجوار ، نحو «جحر ضب خرب». ذكرهم النعمة في نجاتهم وهلاك عدوهم ، وفيما واعد موسى صلوات الله عليه من المناجاة بجانب الطور ، وكتب التوراة في الألواح. وإنما عدى المواعدة إليهم لأنها لا بستهم واتصلت بهم حيث كانت لنبيهم ونقبائهم ، وإليهم رجعت منافعها التي قام بها دينهم وشرعهم ، وفيما أفاض عليهم من سائر نعمه وأرزاقه. طغيانهم في النعمة : أن يتعدّوا حدود الله فيها بأن يكّفروها ويشغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها ، وأن ينفقوها في المعاصي : وأن يزووا حقوق الفقراء فيها ، وأن يسرفوا في إنفاقها ، وأن يبطروا فيها ويأشروا ويتكبروا. قرئ (فَيَحِلَ) وعن عبد الله : لا يحلن (١) (وَمَنْ يَحْلِلْ) المكسور في معنى الوجوب ، من حل الدين يحل إذا وجب أداؤه. ومنه قوله تعالى (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) والمضموم في معنى النزول. وغضب الله عقوباته (٢) ولذلك وصف بالنزول (هَوى) هلك. وأصله أن يسقط من جبل فيهلك. قالت :
هوى من رأس مرقبة |
|
ففتّت تحتها كبده (٣) |
__________________
(١) قوله «قرئ فيحل وعن عبد الله ... الخ» يفيد أن القراءة المشهورة : فيحل. ومن يحلل ـ بالكسر. ولتحرر قراءة «لا يحلن» هل هي بالكسر أو بالضم. (ع)
(٢) قال محمود : «الغضب عقوبة الله تعالى لهم ... الخ» قال أحمد : لا يسعه أن يحمل الغضب إلا على العقوبة لأنه ينفى صفة الارادة في جملة ما ينفونه من صفات الكمال. وأما على قاعدة السنة فيجوز أن يكون المراد من الغضب إرادة العقوبة ، فيكون من أوصاف الذات. ويحتمل أن يراد به معاملتهم بما يعامل به من غضب عليه شاهدا ، فيكون من صفات الأفعال. وأما وصفه بالحلول فلا يتأتى حمله على الارادة ، ويكون بمنزلة قوله عليه الصلاة والسلام «تنزل ربنا إلى سماء الدنيا» على التأويل المعروف. أو عبر عن حلول أثر الارادة بحلولها تعبيرا عن الأثر بالمؤثر ، كما يقول الناظر إلى عجيب من مخلوقات الله تعالى : انظر إلى قدرة الله يعنى أثر القدرة لا نفسها ، والله أعلم.
(٣) هوى ابني من على شرف |
|
يهول عقابه صعده |
هوى من رأس مرقبة |
|
ففتت تحتها كبده |
ألام على تبكيه |
|
وألمسه فلا أجده |
وكيف يلام محزون |
|
كسير فاته ولده |