أتى على أمتى مائة وثمانون سنة فقد حلت لهم العزوبة والعزلة والترهب على رؤس الجبال (١)» وفي الحديث «يأتى على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلا بالمعصية ، فإذا كان ذلك الزمان حلت العزوبة (٢)» فإن قلت : لم خص الصالحين؟ قلت : ليحصن دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم ، ولأنّ الصالحين من الأرقاء هم الذين مواليهم يشفقون عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة والمودّة ، فكانوا مظنة للتوصية بشأنهم والاهتمام بهم وتقبل الوصية فيهم. وأما المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك. أو أريد بالصلاح : القيام بحقوق النكاح. ينبغي أن تكون شريطة الله غير منسية في هذا الموعد ونظائره وهي مشيئته (٣) ، ولا يشاء الحكيم
__________________
ـ رضى الله عنه في الصحيحين «أن أناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواجه عن عمله في السر فقال بعضهم لا آكل اللحم وقال بعضهم لا أتزوج النساء ... الحديث» وفيه «لكنى أصوم وأفطر وأقوم وأنام وآكل اللحم وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس منى» ومنها حديث ابن مسعود رضى الله عنه «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج» متفق عليه وقد تقدم في المائدة. وحديث أنس رضى الله عنه : «كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل» وأخرجه ابن حبان وحديث «تزوجوا توالدوا وتناسلوا فانى مباه بكم الأمم» له طرق في السنن وغيرها. وحديث عطية بن بشر في قصة عكاف بن وداعة الهلالي في الحضّ على التزويج. وفيه «إن شراركم عزابكم» رواه إسحاق في مسنده أخبرنا نضية عن معاوية بن يحيى الصدفي أنه حدثه عن سليمان بن موسى عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن عطية بن بشر بطوله. رواه الطبراني في مسند الشاميين من رواية ابن عتبة عن برد بن سنان عن مكحول عن عطية بن بشر لم يذكر غضيف وقال أحمد : حدثنا عبد الرزاق عن محمد بن راشد عن مكحول عن أبى ذر فذكر نحوه ومنها حديث أنس رضى الله عنه «من تزوج فقد استكمل نصف الايمان فليتق الله في النصف الثاني» أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده ضعيف جدا وسيأتى باقيها بعد.
(١) أخرجه البيهقي والثعلبي من حديث ابن مسعود. وفي إسناده سليمان بن عيسى الخراساني وهو كذاب. ومن طريقه رواه ابن الجوزي في الموضوعات ، لكن له طريق أخرى. أخرجه على بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية عن الحسن بن واقد الحنفي. قال : أظنه من حديث بهز بن حكيم فذكره وهو متصل.
(٢) أخرجه على بن معبد في الطاعة والمعصية حدثنا عبد الله بن المبارك عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يأتى على الناس زمان لا يسلم لذي دين دينه إلا من فر بدينه من شاهق إلى شاهق ، ومن حجر إلى حجر ، فإذا كان ذلك حلت العزوبة. قيل كيف تحل العزوبة ـ فذكر حديثا طويلا» وصله الخطابي في العزلة من طريق السعرى بن يحيى عن الحسن عن أبى الأحوص عن عبد الله. وفي إسناده محمد بن يونس الكديمي وهو ضعيف.
(٣) عاد كلامه. قال : «ينبغي أن تكون شريطة الحكمة والمصلحة غير منسية : واستشهد على ذلك بقوله (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ) قال أحمد : جنوحه للمعتقد الفاسد يمنع عليه الصواب ، فان معتقده وجوب رعاية المصالح على الله تعالى ، فمن ثم شرط الحكمة والمصلحة محجرا واسعا من فضل الله تعالى ، ثم استشهد على ذلك بما يشهد عليه لا له ، فان قوله تعالى في الآية الأخرى (إِنْ شاءَ) يقتضى أن وقوع الغنى مشروط بالمشيئة خاصة ، وهذا معتقد أهل الحق ، فطاح اشتراط الحكمة عن محل الاستدلال ، تعالى عن الإيجاب رب الأرباب ، لكن ينبغي التنبه لنكتة تدعو الحاجة إلى التنبيه عليها ، ليعم نفعها ويعظم وقعها إن شاء الله. وذلك أنا إذا بنينا على أن ثم شرطا محذوفا ، لا بد من تقديره ضرورة صدق الخبر ، إذ لو اعتقدنا أن الله تعالى يغنى كل متزوج على الإطلاق مع أنا نشاهد كثيرا ممن استمر به الفقر بعد النكاح بل زاد ، للزم خلف الوعد ـ تقدس الله