ثم إن الحروف المقطعة في أوائل السور أسماء باتفاق أئمة أهل اللغة ، وليست بحروف ، وهي تقرأ مقطعة بذكر أسمائها لا مسمياتها فيقال : ألف ـ لام ـ ميم ساكنة الأواخر ، والسور التي فيها هذه الكلمات المقطعة تسع وعشرون سورة ، وأصل الحروف الهجائية أيضا كذلك بناء على عد الهمزة حرفا مستقلا ، وأما بناء على عده مع الألف واحدة فثمان وعشرون ، وجميع الأحرف المقطعة بعد حذف المكررات نصف الحروف الهجائية ، وإنما ذكر تبارك وتعالى نصفها استغناء بذلك عن الجميع وهذا من جهة البلاغة أيضا ، ولا ريب في أن هذه الحروف ليست من المهملات ، بل هي مستعملة في معان اختلف في فهم المراد منها ، وقد تعددت أقوال المفسرين في ذلك ، ربما تبلغ إلى عشرة أو أكثر ، منها : أن المراد بها الإشارة إلى حساب الجمل الذي كان متداولا في العصور القديمة ، فاستخرجوا منها جملة من الحوادث ، ومنها مدة حياة هذه الأمة واستند بعضهم إلى حديث أبي لبيد المخزومي ، وأصل هذا التفسير باطل لا دليل عليه من عقل أو نقل ، والحديث ضعيف ودلالته مخدوشة ، والحساب الواقع فيه غلط على كل تقدير. فلا يمكن الاعتماد عليه ، ومنها عن جمع من مفسري الصوفية تفسيرها بالقطب والولي والأوتاد. وغاية ما ادّعوه في إثبات ذلك الكشف والشهود ولكن التفسير بذلك باطل أيضا ولا دليل عليه ، وما ادعوه من الكشف مردود لا مجرى له في القرآن الكريم والسنة الشريفة ، والأحكام الإلهية ونصوصها به متواترة.
ومنها : أنها إشارة إلى إعجاز القرآن فإن ما يستعمل في التكلم والتخاطب إنما هو المركبات دون المقطعات ، ومع ذلك فإن هذه المقطعات لطافة لا تكون في غيرها ، وحلاوة لا توجد فيما سواها ، فإعجازها في الفصاحة والبلاغة نحو إعجاز خاص إلى غير ذلك من الوجوه التي يمكن