وسلم «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر تدور في أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوى إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش (١)» (وَيَسْتَبْشِرُونَ) بإخوانهم المجاهدين (بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ) أى لم يقتلوا فيلحقوا بهم (مِنْ خَلْفِهِمْ) يريد الذين من خلفهم قد بقوا بعدهم وهم قد تقدموهم. وقيل : لم يلحقوا بهم ، لم يدركوا فضلهم ومنزلتهم (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) بدل من الذين. والمعنى : ويستبشرون بما تبين لهم من حال من تركوا خلفهم من المؤمنين ، وهو أنهم يبعثون آمنين يوم القيامة. بشرهم الله بذلك فهم مستبشرون به. وفي ذكر حال الشهداء واستبشارهم بمن خلفهم بعث للباقين بعدهم على ازدياد الطاعة ، والجد في الجهاد ، والرغبة في نيل منازل الشهداء وإصابة فضلهم ، وإحماد لحال من يرى نفسه في خير فيتمنى مثله لإخوانه في الله ، وبشرى للمؤمنين بالفوز في المآب. وكرّر (يَسْتَبْشِرُونَ) ليعلق به ما هو بيان لقوله : (أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) من ذكر النعمة والفضل ، وأن ذلك أجر لهم على إيمانهم يجب في عدل الله وحكمته أن يحصل لهم ولا يضيع. وقرئ (وَأَنَّ اللهَ) بالفتح عطفاً على النعمة والفضل. وبالكسر على الابتداء وعلى أنّ الجملة اعتراض ، وهي قراءة الكسائي. وتعضدها قراءة عبد الله. والله لا يضيع.
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٢) الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (١٧٣) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)(١٧٤)
(الَّذِينَ اسْتَجابُوا) مبتدأ خبره (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أو صفة للمؤمنين ، أو نصب على المدح. روى أنّ أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا (٢) وهموا بالرجوع ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوّة ، فندب أصحابه للخروج في طلب أبى سفيان وقال : لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جماعة حتى بلغوا حمراء الأسد وهي من المدينة على ثمانية أميال ،
__________________
(١) أخرجه أبو داود وابن أبى شيبة والحاكم وأبو يعلى والبزار كلهم من حديث ابن عباس به وأتم منه. قال الدارقطني تفرد به محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أمية ، وأصله في مسلم من حديث ابن مسعود رضى الله عنه ، بلفظ «أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تمرح في الجنة حيث شاءت ـ الحديث».
(٢) أخرجه ابن إسحاق في المغازي عن شيوخه ومن طريقه البيهقي في الدلائل فذكره مطولا