وكان بأصحابه القرح فتحاملوا على أنفسهم حتى لا يفوتهم الأجر ، وألقى الله الرعب في قلوب المشركين فذهبوا ، فنزلت. و «من» في (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ) للتبيين مثلها في قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) لأنّ الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم واتقوا ، لا بعضهم. وعن عروة بن الزبير : قالت لي عائشة رضى الله عنها «إن أبويك لمن الذين استجابوا لله والرسول (١)» تعنى أبا بكر والزبير (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ) روى أنّ أبا سفيان نادى (٢) عند انصرافه من أحد. يا محمد موعدنا موسم بدر لقابل إن شئت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن شاء الله ؛ فلما كان القابل خرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مر الظهران. فألقى الله الرعب في قلبه فبدا له أن يرجع ، فلقى نعيم بن مسعود الأشجعى وقد قدم معتمراً فقال : يا نعيم ، إنى واعدت محمداً أن نلتقي بموسم بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي ولكن إن خرج محمد ولم أخرج زاده ذلك جراءة ، فالحق بالمدينة فثبطهم ولك عندي عشر من الإبل ، فخرج نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : ما هذا بالرأى. أتوكم في دياركم وقراركم فلم يفلت منكم أحد إلا شريداً ، فتريدون أن تخرجوا وقد جمعوا لكم عند الموسم ، فو الله لا يفلت منكم أحد. وقيل : مرّ بأبى سفيان ركب من عبد القبس يريدون المدينة للميرة فجعل لهم حمل بعير من زبيب إن ثبطوهم ، فكره المسلمون الخروج. فقال صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده لأخرجن ولو لم يخرج معى أحد ، فخرج في سبعين راكبا (٣) وهم يقولون : حسبنا الله ونعم الوكيل ـ وقيل : هي الكلمة التي قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار ـ حتى وافوا بدراً وأقاموا بها ثماني ليال ، وكانت معهم تجارات فباعوها وأصابوا خيراً ، ثم انصرفوا إلى المدينة سالمين غانمين. ورجع أبو سفيان إلى مكة فسمى أهل مكة جيشه جيش السويق. قالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق. فالناس الأوّلون : المثبطون. والآخرون : أبو سفيان وأصحابه. فإن قلت : كيف قيل (النَّاسُ) إن كان نعيم هو المثبط وحده؟ قلت : قيل ذلك لأنه من جنس الناس ، كما يقال : فلان يركب الخيل ويلبس البرود ، وماله إلا فرس واحد وبرد فرد. أو لأنه حين قال ذلك لم يخل من ناس من أهل المدينة يضامونه ، ويصلون جناح كلامه ، ويثبطون مثل تثبيطه. فإن قلت : إلام يرجع المستكن في (فَزادَهُمْ)؟ قلت : إلى
__________________
(١) متفق عليه ووهم الحاكم فاستدركه.
(٢) ذكره الثعلبي عن مجاهد وعكرمة وسنده إليهما في أول كتابه. وروى ابن سعد في الطبقات بعضه.
(٣) أخرجه ابن سعد من طريق ابن إسحاق. وموسى بن عقبة وغيرهما. وأخرجه الواقدي في المغازي. قال حدثني الضحاك بن عثمان وعبد الله بن جعفر ومحمد بن عبد الله بن مسلم وابن أبى حبيب وغيرهم. قالوا «لما أراد أبو سفيان أن ينصرف من أحد» فذكره مطولا. قوله وقيل هي الكلمة التي قال إبراهيم حين ألقى في النار. رواه البخاري من طريق أبى الضحى عن ابن عباس.