ثم جاءكم رسول مصدّق له وجب عليكم الإيمان به ونصرته. وقيل : أصله لمن ما ، فاستثقلوا اجتماع ثلاث ميمات وهي الميمان والنون المنقلبة ميما بإدغامها في الميم ، فحذفوا إحداها فصارت لما. ومعناه : لمن أجل ما آتيتكم لتؤمنن به ، وهذا نحو من قراءة حمزة في المعنى (إِصْرِي) عهدى. وقرئ : أصرى ، بالضم. وسمى إصراً ، لأنه مما يؤصر ، أى يشدّ ويعقد. ومنه الإصار ، الذي يعقد به. ويجوز أن يكون المضموم لغة في أصر ، كعبر وعبر ، وأن يكون جمع إصار (فَاشْهَدُوا) فليشهد بعضكم على بعض بالإقرار (وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ) من إقراركم وتشاهدكم (مِنَ الشَّاهِدِينَ) وهذا توكيد عليهم وتحذير من الرجوع إذا علموا بشهادة الله وشهادة بعضهم على بعض. وقيل : الخطاب للملائكة (فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ) الميثاق والتوكيد (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أى المتمردون من الكفار دخلت همزة الإنكار على الفاء العاطفة جملة على جملة. والمعنى : فأولئك هم الفاسقون فغير دين الله يبغون ، ثم توسطت الهمزة بينهما. ويجوز أن يعطف على محذوف تقديره (أ) يتولون (فَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) وقدم المفعول الذي هو غير دين الله على فعله لأنه أهم من حيث أنّ الإنكار الذي هو معنى الهمزة متوجه إلى المعبود بالباطل. وروى : أن أهل الكتاب اختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا فيه من دين إبراهيم عليه السلام ؛ وكل واحد من الفريقين ادعى أنه أولى به ، فقال صلى الله عليه وسلم : «كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم» (١) فقالوا : ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك. فنزلت : وقرئ : يبغون ، بالياء : وترجعون ، بالتاء وهي قراءة أبى عمرو ، لأنّ الباغين هم المتولون ، والراجعون جميع الناس. وقرئا بالياء معا ، وبالتاء معا (طَوْعاً) بالنظر في الأدلة والإنصاف من نفسه (وَكَرْهاً) بالسيف ، أو بمعاينة ما يلجئ إلى الإسلام كنتق الجبل على بنى إسرائيل ، وإدراك الغرق فرعون ، والإشفاء على الموت (٢) فلما رأوا بأسنا قالوا : آمنا بالله وحده. وانتصب طوعا وكرها على الحال ، بمعنى طائعين ومكرهين
(قُلْ آمَنَّا بِاللهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَما أُنْزِلَ عَلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَما أُوتِيَ مُوسى وَعِيسى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٨٤) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ)(٨٥)
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يخبر عن نفسه وعمن معه بالإيمان ، فلذلك وحد الضمير
__________________
(١) لم أجد له إسنادا ، وذكره الواحدي في الأسباب أيضا عن ابن عباس رضى الله عنهما.
(٢) قوله «والإشفاء على الموت» أى الاشراف ، كما في الصحاح. (ع)