رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٨٢) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)(٨٣)
(مِيثاقَ النَّبِيِّينَ) فيه غير وجه : أحدها أن يكون على ظاهره من أخذ الميثاق على النبيين بذلك. والثاني أن يضيف الميثاق إلى النبيين إضافته إلى الموثق لا إلى الموثق عليه ، كما تقول : ميثاق الله وعهد الله ، كأنه قيل : وإذ أخذ الله الميثاق الذي وثقه الأنبياء على أممهم ، والثالث : أن يراد ميثاق أولاد النبيين وهم بنو إسرائيل على حذف المضاف. والرابع : أن يراد أهل الكتاب وأن يرد على زعمهم تهكما بهم ، لأنهم كانوا يقولون : نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب ومنا كان النبيون. وتدل عليه قراءة أبىّ وابن مسعود : وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب واللام في (لَما آتَيْتُكُمْ) لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى الاستحلاف (١) وفي لتؤمنن لام جواب القسم ، و «ما» يحتمل أن تكون المتضمنة لمعنى الشرط ، ولتؤمنن سادّ مسدّ جواب القسم والشرط جميعاً ، وأن تكون موصولة بمعنى : للذي آتيتكموه لتؤمنن به. وقرئ : لما آتيناكم وقرأ حمزة : لما آتيتكم. بكسر اللام ومعناه : لأجل إيتائى إياكم بعض الكتاب والحكمة ؛ ثم لمجيء رسول مصدّق لما معكم لتؤمنن به ، على أن «ما» مصدرية ، والفعلان معها أعنى «آتيتكم» و «جاءكم» في معنى المصدرين ، واللام داخلة للتعليل على معنى : أخذ الله ميثاقهم لتؤمنن بالرسول ولتنصرنه ، لأجل أنى آتيتكم الحكمة ، وأن الرسول الذي آمركم بالإيمان به ونصرته موافق لكم غير مخالف. ويجوز أن تكون «ما» موصولة. فإن قلت : كيف يجوز ذلك والعطف على آتيتكم وهو قوله (ثُمَّ جاءَكُمْ) لا يجوز أن يدخل تحت حكم الصفة ، لأنك لا تقول : للذي جاءكم رسول مصدق لما معكم؟ قلت : بلى (٢) ، لأنّ ما معكم في معنى ما آتيتكم ، فكأنه قيل : للذي آتيتكموه وجاءكم رسول مصدق له. وقرأ سعيد بن جبير «لما» بالتشديد ، بمعنى حين آتيتكم بعض الكتاب والحكمة ،
__________________
(١) قال محمود : «اللام في لما آتيتكم لام التوطئة لأن أخذ الميثاق في معنى القسم ... الخ» قال أحمد : يريد على أن قوله : (رَسُولٌ) فاعل جاء ، لأنه لا يخلو من الضمير وإلا فهذا القول صحيح على أن يكون الفاعل مضمراً ، ورسول : خبر الموصول. ولم يرد الزمخشري إلا الأول ، وهو ظاهر الآية.
(٢) عاد كلامه ، قال مجيبا عن السؤال : «قلت : بلى ... الخ» قال أحمد : يريد أن الكلام وإن خلا من العائد إلا أنه في معنى كلام يتحقق فيه العائد فيجوز دخوله في الصلة ، والله أعلم.