لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله ، ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله (١) (وَالْحُكْمَ) والحكمة وهي السنة (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) ولكن يقول كونوا. والربانىّ : منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون ؛ كما يقال : رقبانى ولحياني ، وهو الشديد التمسك بدين الله وطاعته. وعن محمد ابن الحنفية أنه قال حين مات ابن عباس : اليوم مات ربانىّ هذه الأمّة. وعن الحسن ربانيين علماء فقهاء. وقيل علماء معلمين. وكانوا يقولون : الشارع الرباني : العالم العامل المعلم (بِما كُنْتُمْ) بسبب كونكم عالمين (٢) وبسبب كونكم دارسين للعلم أوجب أن تكون الربانية التي هي قوّة التمسك بطاعة الله مسببة عن العلم والدراسة ، وكفى به دليلا على خيبة سعى من جهد نفسه وكدّ روحه في جمع العلم ، ثم لم يجعله ذريعة إلى العمل ، فكان مثله مثل من غرس شجرة حسناء تونقه بمنظرها ولا تنفعه بثمرها : وقرئ : تعلمون ، من التعليم. وتعلمون من التعلم (تَدْرُسُونَ) تقرءون. وقرئ تدرسون ، من التدريس. وتدرسون على أن أدرس بمعنى درّس كأكرم وكرّم وأنزل ونزَّل. وتدرّسون ، من التدرّس. ويجوز أن يكون معناه ومعنى تدرسون بالتخفيف : تدرسونه على الناس كقوله : (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ) فيكون معناهما معنى تدرسون من التدريس. وفيه أن من علم ودرس العلم ولم يعمل به فليس من الله في شيء ، وأن السبب بينه وبين ربه منقطع ، حيث لم يثبت النسبة إليه إلا للمتمسكين بطاعته. وقرئ (وَلا يَأْمُرَكُمْ) بالنصب عطفا على : (ثُمَّ يَقُولَ) وفيه وجهان أحدهما أن تجعل «لا» مزيدة لتأكيد معنى النفي في قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ) والمعنى : ما كان لبشر أن يستنبئه الله وينصبه للدعاء إلى اختصاص الله بالعبادة وترك الأنداد ، ثم يأمر الناس بأن يكونوا عباداً له ويأمركم (أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً) كما تقول : ما كان لزيد أن أكرمه ثم يهينني ولا يستخف بى. والثاني أن تجعل «لا» غير مزيدة. والمعنى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى قريشا عن عبادة الملائكة ، واليهود والنصارى عن عبادة عزير والمسيح. فلما قالوا له : أنتخذك ربا؟ قيل لهم : ما كان لبشر أن يستنبئه الله ، ثم يأمر الناس بعبادته وينهاكم عن عبادة الملائكة والأنبياء. والقراءة بالرفع على ابتداء الكلام أظهر ، وتنصرها قراءة عبد الله ولن يأمركم. والضمير في : (وَلا يَأْمُرَكُمْ) و (لا يَأْمُرَكُمْ) لبشر. وقيل الله ، والهمزة في أيأمركم للإنكار (بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) دليل على أن المخاطبين كانوا مسلمين ، وهم الذين استأذنوه أن يسجدوا له
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ
__________________
(١) لم أجد له إسناداً. ونقله الواحدي في الأسباب عن الحسن البصري «أن رجلا» فذكره.
(٢) قوله «بسبب كونكم عالمين» تفسير لقراءة (تعلمون) من العلم. (ع)