مجازاً عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر (لَفَرِيقاً) هم كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف وحيىّ بن أخطب وغيرهم (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ) يفتلونها بقراءته عن الصحيح إلى المحرف وقرأ أهل المدينة : يلوّون ، بالتشديد ، كقوله : لووا رؤسهم. وعن مجاهد وابن كثير : يلون. ووجهه أنهما قلبا الواو المضمومة همزة ، ثم خففوها بحذفها وإلقاء حركتها على الساكن قبلها. فإن قلت : إلام يرجع الضمير في : (لتحسبوه)؟ قلت : إلى ما دلّ عليه يلوّون ألسنتهم بالكتاب وهو المحرف. ويجوز أن يراد : يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب لتحسبوا ذلك الشبه من الكتاب وقرئ : ليحسبوه بالياء ، بمعنى : يفعلون ذلك ليحسبه المسلمون من الكتاب (وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) تأكيد لقوله : هو من الكتاب ، وزيادة تشنيع عليهم ، وتسجيل بالكذب ، ودلالة على أنهم لا يعرضون ولا يورون وإنما يصرحون بأنه في التوراة هكذا ، وقد أنزله الله تعالى على موسى كذلك لفرط جرامتهم على الله وقساوة قلوبهم ويأسهم من الآخرة. وعن ابن عباس : هم اليهود الذين قدموا على كعب بن الأشرف غيروا التوراة وكتبوا كتابا بدّلوا فيه صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذت قريظة ما كتبوه فخلطوه بالكتاب الذي عندهم.
(ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (٧٩) وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)(٨٠)
(ما كانَ لِبَشَرٍ) تكذيب لمن اعتقد عبادة عيسى. وقيل : إنّ أبا رافع القرظي والسيد من نصارى نجران قالا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أتريد أن نعبدك ونتخذك ربا؟ فقال معاذ الله أن نعبد غير الله ، أو أن نأمر بعبادة غير الله! فما بذلك بعثني ، ولا بذلك أمرنى (١) فنزلت. وقيل : قال رجل : يا رسول الله ، نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض أفلا نسجد لك؟ قال :
__________________
(١) أخرجه البيهقي في الدلائل والطبري من طريق ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبى محمد حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال «اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتنازعوا عنده ، فقالت الأحبار : ما كان إبراهيم إلا يهوديا. وقالت النصارى : ما كان إبراهيم إلا نصرانيا. فأنزل الله فيهم (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ) ـ الآية قال أبو رافع القرظي ورجل آخر منهم يقال له الرئيس وهو السيد ـ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وقد دعاهم للإسلام ـ أتريد منا يا محمد ـ فذكره» وذكر الواحدي في الأسباب من طريق الكلبي وعطاء بن عياش «أن أبا رافع والرئيس من نصارى نجران قالا يا محمد ـ فذكره»