قلت : كان سؤالهم عن تلك الحوادث الأول وقع في أحوال متفرّقة ، فلم يؤت بحرف العطف لأنّ كل واحد من السؤالات سؤال مبتدأ. وسألوا عن الحوادث الأخر في وقت واحد ، فجيء بحرف الجمع لذلك ، كأنه قيل : يجمعون لك بين السؤال عن الخمر والميسر ، والسؤال عن الإنفاق ، والسؤال عن كذا وكذا.
(وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٢٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(٢٢٥)
العرضة : فعلة بمعنى مفعول ، كالقبضة والغرفة ، وهي اسم ما تعرضه دون الشيء من عرض العود على الإناء فيعترض دونه ويصير حاجزاً ومانعاً منه. تقول : فلان عرضة دون الخير. والعرضة أيضاً : المعرض للأمر. قال :
فَلَا تَجْعَلُونِى عُرْضَةً لِلَّوَائِمِ (١)
ومعنى الآية على الأولى : أنّ الرجل كان يحلف على بعض الخيرات ، من صلة رحم ، أو إصلاح ذات بين ، أو إحسان إلى أحد ، أو عبادة ، ثم يقول : أخاف الله أن أحنث في يمينى ، فيترك البرّ إرادة البرّ في يمينه ، فقيل لهم : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) أى حاجزاً لما حلفتم عليه. وسمى المحلوف عليه يميناً لتلبسه باليمين ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة : «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك» (٢) أى على شيء مما يحلف عليه. وقوله : (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا) عطف بيان لأيمانكم ، أى للأمور المحلوف عليها التي هي البر والتقوى والإصلاح بين الناس. فإن قلت : بم تعلقت اللام في لأيمانكم؟ قلت : بالفعل ، أى ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخاً وحجازاً. ويجوز أن يتعلق ب : (عُرْضَةً) لما فيها
__________________
(١) دعوني أنح وجدا كنوح الحمائم |
|
ولا تجعلوني عرضة للوائم |
قيل هو لأبى تمام. يقول : اتركوني أنح لما بى من الوجد وحرقة العشق مثل نوح الحمائم. ويروى : لنوح الحمائم ، فهو علة للمعلل مع علته. والعرضة : المعرض للأمر ، أى : ولا تجعلوني معرضا للوم اللوائم. أو المراد باللوائم : أنواع اللوم مبالغة ، على حد : جد جده ، لأن اللائم حقيقة فاعل اللوم.
(٢) أخرجه الأئمة الخمسة من رواية الحسن البصري عن عبد الرحمن بن سمرة.