القراءتين مما يجب العمل به ، فذهب أبو حنيفة إلى أن له أن يقربها في أكثر الحيض بعد انقطاع الدم وإن لم تغتسل ، وفي أقل الحيض لا يقربها حتى تغتسل أو يمضى عليها وقت صلاة. وذهب الشافعي إلى أنه لا يقربها حتى تطهر وتطهر ، فتجمع بين الأمرين ، وهو قول واضح. ويعضده قوله : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ). (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) من المأتى الذي أمركم الله به وحلله لكم وهو القبل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) مما عسى يندر منهم من ارتكاب ما نهوا عنه من ذلك (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) المتنزهين عن الفواحش. أو إنّ الله يحبّ التوّابين الذين يطهرون أنفسهم بطهرة التوبة من كل ذنب ، ويحب المتطهرين من جميع الأقذار : كمجامعة الحائض والطاهر قبل الغسل ، وإتيان ما ليس بمباح ، وغير ذلك (حَرْثٌ لَكُمْ) مواضع الحرث لكم. وهذا مجاز ، شبهن بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف التي منها النسل بالبذور. وقوله (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) تمثيل ، أى فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أى جهة شئتم ، لا تحظر عليكم جهة دون جهة ، والمعنى : جامعوهن من أى شق أدرتم بعد أن يكون المأتى واحداً وهو موضع الحرث. وقوله : (هُوَ أَذىً ، فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ) ، (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ، (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) من الكنايات اللطيفة والتعريضات المستحسنة. وهذه وأشباهها في كلام الله آداب حسنة على المؤمنين أن يتعلموها ويتأدّبوا بها ويتكلفوا مثلها في محاورتهم ومكاتبتهم. وروى أن اليهود كانوا يقولون : من جامع امرأته وهي مجبية من دبرها في قبلها كان ولدها أحول ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال كذبت اليهود (١) ونزلت. (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) ما يجب تقديمه من الأعمال الصالحة وما هو خلاف ما نهيتكم عنه. وقيل : هو طلب الولد ، وقيل : التسمية على الوطء (وَاتَّقُوا اللهَ) فلا تجترئوا على المناهي (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) فتزوّدوا ما لا تفتضحون به (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) المستوجبين للمدح والتعظيم بترك القبائح وفعل الحسنات. فإن قلت : ما موقع قوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) مما قبله؟ قلت : موقعه موقع البيان والتوضيح لقوله : (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعنى أنّ المأتى الذي أمركم الله به هو مكان الحرث ، ترجمة له وتفسيراً ، أو إزالة للشبهة ، ودلالة على أنّ الغرض الأصيل في الإتيان هو طلب النسل لا قضاء الشهوة. فلا تأتوهنّ إلا من المأتى الذي يتعلق به هذا الغرض. فإن قلت : ما بال (يَسْئَلُونَكَ) جاء بغير واو ثلاث مرات ، ثم مع الواو ثلاثاً؟
__________________
(١) متفق عليه من طرق عن ابن المنكدر عن جابر : والتقييد لمسلم فقط. ولمسلم من رواية الزهري «إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية. غير أن ذلك في صمام واحد» وهو من قول الزهري. وأخرجه أصحاب السنن والبزار وابن حبان. وليس عند أحد منهم قول «فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم» وأخرجه البزار من طريق خصيف عن ابن المنكدر. وزاد فيه «وإنما الحرث من حيث يخرج الولد» تفرد به خصيف. وهو ضعيف.