كأنه في نفسه لفرط كراهتهم له. وإما أن يكون فعلا بمعنى مفعول كالخبز بمعنى المخبوز ، أى وهو مكروه لكم. وقرأ السلمى ـ بالفتح ـ على أن يكون بمعنى المضموم ، كالضعف والضعف ، ويجوز أن يكون بمعنى الإكراه على طريق المجاز ، كأنهم أكرهوا عليه لشدة كراهتهم له ومشقته عليهم. ومنه قوله تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) (١) ، وعلى قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) جميع ما كلفوه ، فإن النفوس تكرهه وتنفر عنه وتحب خلافه (وَاللهُ يَعْلَمُ) ما يصلحكم وما هو خير لكم (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ذلك.
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢١٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢١٨)
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن جحش على سرية في جمادى الآخرة (٢) قبل قتال بدر بشهرين ليترصد عيراً لقريش فيها عمرو بن عبد الله الحضرمي وثلاثة معه ، فقتلوه وأسروا اثنين واستاقوا العير وفيها من تجارة الطائف ، وكان ذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة ، فقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام شهرا يأمن فيه الخائف ويبذعرّ (٣) فيه الناس إلى معايشهم فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم العير ، وعظم ذلك على أصحاب السرية وقالوا : ما نبرح حتى تنزل توبتنا ، وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم العير والأسارى ، وعن ابن عباس رضى الله عنه : لما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنيمة. والمعنى : يسألك الكفار أو المسلمون عن القتال في الشهر الحرام. و (قِتالٍ فِيهِ) بدل الاشتمال من الشهر. وفي
__________________
(١) قوله «ووضعته كرها وعلى قوله تعالى» أى جميع ما كلفوه جار على قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا ...) الخ فان النفوس تكرهه وهو خير لهم ، وتحب خلافه وهو شر لهم. (ع)
(٢) أخرجه ابن إسحاق في المغازي ، قال : حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير بطوله ، ومن طريقه رواه البيهقي في الدلائل ، وكذا ذكره ابن لهيعة عن أبى الأسود عن عروة. ومن طريقه الواحدي. وأخرجه الطبراني من حديث جندب بن عبد الله البجلي موصولا.
(٣) قوله «ويبذعر فيه الناس» أى يتفرقون فيه. أفاده الصحاح. (ع)