ذلك الغاية في الشدة التي لا مطمح وراءها (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) على إرادة القول ، يعنى فقيل لهم ذلك إجابة لهم إلى طلبتهم من عاجل النصر. وقرئ (حتى يقول) بالنصب على إضمار أن ومعنى الاستقبال ؛ لأنّ «أن» علم له. وبالرفع على أنه في معنى الحال ، كقولك : شربت الإبل حتى يجيء البعير يجرّ بطنه ، إلا أنها حال ماضية محكية.
(يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢١٥)
فإن قلت : كيف طابق الجواب السؤال في قوله : (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ) وهم قد سألوا عن بيان ما ينفقون وأجيبوا ببيان المصرف؟ قلت : قد تضمن قوله ما أنفقتم (مِنْ خَيْرٍ) بيان ما ينفقونه وهو كل خير ، وبنى الكلام على ما هو أهم وهو بيان المصرف ؛ لأنّ النفقة لا يعتد بها إلا أن تقع موقعها. قال الشاعر :
إنَّ الصَّنِيعَةَ لَا تَكُونُ صَنِيعَةً |
|
حَتَّى يُصَابَ بهَا طَرِيقُ الْمصنَعِ (١) |
وعن ابن عباس رضى الله عنهما : أنه جاء عمرو بن الجموح وهو شيخ هِمّ (٢) وله مال عظيم فقال : ما ذا ننفق من أموالنا؟ وأين نضعها؟ فنزلت. وعن السدى : هي منسوخة بفرض الزكاة. وعن الحسن : هي في التطوّع.
(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(٢١٦)
(وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) من الكراهة بدليل قوله (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) ثم إما أن يكون بمعنى الكراهة على وضع المصدر موضع الوصف مبالغة ، كقولها :
فَإنَّمَا هِىَ إقْبَالٌ وَإدْبَارُ (٣)
__________________
(١) إن الصنيعة لا تكون صنيعة |
|
حتى يصاب بها طريق المصنع |
فإذا صنعت صنيعة فاعمد بها |
|
لله أو لذوي القرابة أو دع |
يقول : إن العطية لا تكون عطية حقيقة حتى تكون في موضعها ، فكنى باصابة الطريق عن إيصالها إلى المقصد ، وهو من يستحقها. وقوله «فاعمد بها» أى اقصد بها. وضمنه معنى اذهب بها ، فعداه باللام. ويروى : لذوي القرائب فلعل معناه لأصحاب القرابات القرائب. وقوله «أو دع» أى اترك ، لأنه ليس بعد هذين إلا الفخر.
(٢) قوله «وهو شيخ هم وله مال» في الصحاح الهم ـ بالكسر ـ : الشيخ الفاني. (ع)
(٣) مر شرح هذا الشاهد بهذا الجزء صفحة ٢١٨ فراجعه إن شئت اه مصححه