أى ماء أجدر بأن تقيلى فيه. ومنهم من ينزل فيقول : اتسع فيه ، فأجرى مجرى المفعول به فحذف الجار ثم حذف الضمير كما حذف من قوله : أم مال أصابوا. ومعنى التنكير أن نفسا من الأنفس لا تجزى عن نفس منها شيئا من الأشياء ، وهو الإقناط الكلى القطاع للمطامع. وكذلك قوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أى فدية لأنها معادلة للمفدى. ومنه الحديث «لا يقبل منه صرف ولا عدل» (١) أى توبة ولا فدية. وقرأ قتادة : ولا يقبل منها شفاعة ، على بناء الفعل للفاعل وهو الله عز وجل ، ونصب الشفاعة. وقيل : كانت اليهود تزعم أن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم فأويسوا. فإن قلت : هل فيه دليل على أنّ الشفاعة لا تقبل للعصاة (٢)؟ قلت : نعم ، لأنه نفى أن تقضى نفس عن نفس حقاً أخلت به من فعل
__________________
ـ ناقته بالمختار منه لعراقتها في الكرم وارتفاعها. وكرر الأمر للتوكيد. هذا ويقال : تروح النبت إذا طال. فتروحى : أى امتدى وارتفعى. والخطاب لعنعار النخل لا للناقة قاله العيني مخالفا جميع الشراح لهذا الرجز. وقد يؤكده أنه روى بدل «تروحى» الأول «تأبرى» والتأبير : وضع طلع الذكور من النخل في الإناث لتنمو ثمرتها ويمكن أن يقال : إنه ترشيح للتشبيه. والظاهر أنه انتقل من رجز إلى آخر لأحيحة ، فقد روى عنه :
تأبرى يا خيرة الغسيل |
|
تأبرى من حنذ فشولى |
إذ ضن أهل النخل بالفحول |
هذا هو خطاب الغسيل. وحنذ ـ بالتحريك ـ موضع قريب من المدينة. وقيل اسم قرية. وقيل اسم ماء. والمعنى : أن ريح الصبا تهب من جهته فتحمل طلع الذكور منه إلى الإناث فيغنيها عن التأبير الصناعى. وشولى أى ارتفعى وامتدى ، أى تأبرى بنفسك ، حيث بخل أهل النخل بطلع الذكور التي تلقح الإناث. وأجدر : نصب بمحذوف ، أى وأتى مكانا أجدر وأحق بأن تقيلى فيه وتستريحي من السير. ويجوز نصبه بتروحي ، بتضمينه معنى اطلبى. فحذف باء الجر ولفظ فيه لعلمها. وغدا نصب بتقيلى ، بجنبي : أى في جنبي ، فهو بدل من فيه المحذوفة ، أى : في حافتي ماء بارد ظليل ، أى مظلل بالأشجار ، أو في جانبي مكان ذى ظل لا حر فيه. وحينئذ فالمعنى أجدر أن تقيلى بجانبيه ، فأظهر في محل الإضمار لإظهار صفة المكان. وأفعل التفضيل المجرد إن لم تتصل به «من» لفظا فهي متصلة به تقديراً ، على أن محل ذلك إذا أريد به التفضيل على معين. والظاهر أن أجدر هنا ليس كذلك ، فلا حاجة لتقديرها. ويجوز أن يكون أجدر فعلا ماضياً أى دخل في الجدارة والحقية «أن تقيلى» أى حقت ووجبت قيلولتك ، فلا حذف أصلا. وقال العيني : يجوز أن يكون بارد ظليل على حذف حرف العطف للضرورة ، أى بجنب بارد وجنب ظليل.
(١) متفق عليه من حديث على رضى الله عنه رفعه «المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا ، فمن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل ـ الحديث» ورواه عبد الرزاق وقال في آخره : والصرف والعدل : التطوع والفريضة. واتفقا عليه من حديث أنس نحوه. ولمسلم من حديث أبى صالح عن أبى هريرة رفعه : «بالمدينة حرم ، فمن أحدث ـ فذكره» وغفل الطيبي فعزاه لأبى داود من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ، بلفظ «من تعلم صرف الكلام ليسبى به قلوب الناس لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا».
(٢) قال محمود رحمه الله : «هل فيه دليل على أن الشفاعة لا تقبل للعصاة ... الخ»؟ قال أحمد رحمه الله : أما من جحد الشفاعة فهو جدير أن لا ينالها. وأما من آمن بها وصدقها وهم أهل السنة والجماعة ، فأولئك يرجون رحمة الله. ومعتقدهم أنها تنال العصاة من المؤمنين ، وإنما ادخرت لهم. وليس في الآية دليل لمنكريها ، لأن قوله يوما ـ