أو ترك ، ثم نفى أن يقبل منها شفاعة شفيع فعلم أنها لا تقبل للعصاة. فإن قلت : الضمير في (وَلا يُقْبَلُ مِنْها) إلى أى النفسين يرجع؟ قلت : إلى الثانية العاصية غير المجزى عنها ، وهي التي لا يؤخذ منها عدل. ومعنى لا يقبل منها شفاعة : إن جاءت بشفاعة شفيع لم يقبل منها. ويجوز أن يرجع إلى النفس الأولى ، على أنها لو شفعت لها لم تقبل شفاعتها ، كما لا تجزى عنها شيئا ، ولو أعطت عدلا عنها لم يؤخذ منها (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) يعنى ما دلت عليه النفس المنكرة من النفوس الكثيرة والتذكير بمعنى العباد والأناسى ، كما تقول : ثلاثة أنفس.
(وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ)(٤٩)
أصل (آلِ) أهل ، ولذلك يصغر بأهيل ، فأبدلت هاؤه ألفاً. وخص استعماله بأولى الخطر والشأن كالملوك وأشباههم ، فلا يقال آل الإسكاف والحجام. و (فِرْعَوْنَ) علم لمن ملك العمالقة ، كقيصر : لملك الروم ، وكسرى : لملك الفرس. ولعتوّ الفراعنة اشتقوا : تفرعن فلان ، إذا عتا وتجبر. وفي ملح بعضهم :
قَدْ جَاءَهُ الْمُوسَى الْكَلُومُ فَزَادَ فِى |
|
أقْصَى تَفَرْعُنِهِ وَفَرْطِ عُرَامِهِ (١) |
وقرئ : أنجيناكم ، ونجيتكم (يَسُومُونَكُمْ) من سامه خسفاً إذا أولاه ظلما. قال عمرو بن كلثوم :
إذَا مَا الْمَلْكُ سَامَ النَّاسَ خَسْفاً |
|
أَبَيْنَا أَنْ يَقِرَّ الْخَسْفُ فِينَا (٢) |
__________________
ـ أخرجه منكرا ، ولا شك أن في القيامة مواطن ، ويومها معدود بخمسين ألف سنة ، فبعض أوقاتها ليس زمانا للشفاعة وبعضها هو الوقت الموعود وفيه المقام المحمود لسيد البشر عليه أفضل الصلاة والسلام. قد وردت آي كثيرة ترشد إلى تعدد أيامها واختلاف أوقاتها. منها قوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) مع قوله : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) فيتعين حمل الآيتين على يومين مختلفين ، متغايرين : أحدهما محل للتساؤل ؛ والآخر ليس محلا له ، وكذلك الشفاعة ، وأدلة ثبوتها لا تحصى كثرة ، رزقنا الله الشفاعة وحشرنا في زمرة أهل السنة والجماعة
(١) الضمير للصبي. وقيل لذكره. والموسى : آلة الحلق والختان ، من أوسى رأسه حلقه. وقال الفراء وغيره هي فعلى ويؤنث. يقال. رجل ماس مثل مال ، أى خفيف طياش. وقيل : هو مفعل. وذلك كناية عن ختانه به ، لأنه يورث النمو والفتوة. وقيل : عن حلق العانة ، لأنه زمن بلوغ الأشد. واختار السعد الأول لأنه أنسب بالمقام. والكلوم : كثير الكلم ـ أى الجرح ـ والتفرعن : العتو والتجبر ، مأخوذ من فرعون لشهرته بالطغيان والظلم والتكبر. والعرام كغراب : الشدة والحدة والخبث. ويمكن أنه من الفرع ، لارتفاعه وعلوه على غيره.
(٢) لعمرو بن كلثوم من معلقته. «وما» زائدة. «والملك» بالسكون : لغة فيه. ويقال : سامه ذلا ، إذا أولاه إياه وألحقه به. وقيل : إذا كلفه ما فيه ذل وأكرهه عليه. والخسف ـ بفتح الخاء وضمها ـ : الذل. يقول إذا ألحق بالناس الذل منعناه إقرار الذل فينا ، ولم ننقد له كسائر الناس ، لشجاعتنا على جميع من سوانا.