وقد جاء القرآن بلغات العرب وإن كانت اللغة القرشية هي السائدة فيه وسواء كانت من الفصيح أو الأفصح. والسر في ذلك أن الله سبحانه شاء أن يكون القرآن الكريم كتاب العربية الأكبر وجامعة العرب الكبرى بكافة فئاتهم ، ومرجعهم الأوثق في معرفة أساليب العرب في البيان ، ومذاهبهم في التعبير فكان الأليق والأوفق أن يأتي مشتملا على المقبول السهل منها غير المستهجن والمستثقل ، ليجد العرب فيه ما يرضي أذواقهم وملكاتهم (١) ، والآن سأتناول الرد على ما نسب للسيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ.
١ ـ قوله : والصابرين بدلا من «والصابرون» وهي في سورة البقرة في قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ .. وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ ..)(٢).
بالنسبة لقراءة النصب «والصابرين» هي المتواترة والثابتة عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أما قراءة الرفع «والصابرون» فهي قراءة الحسن والأعمش ويعقوب.
توجيه القراءتين :
فبالنسبة لقراءة الرفع غير السبعية فهي معطوفة على «الموفون» أما قراءة النصب فهي منصوبة على المدح والقطع إلى الرفع.
والنصب في صفات المدح والذم ، والترحم ، وعطف الصفات بعضها على بعض مذكورة في علم النحو (٣) كقول الشاعر :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
وذا الرأي حين تغم الأمور |
|
بذات الصليل وذات اللجم |
فنصب «ليث الكتيبة» «وذا الرأي» على المدح. والاسم قبلهما مخفوض
__________________
(١) المدخل لدراسة القرآن الكريم ص ٣٨٣.
(٢) سورة البقرة : ١٧٧.
(٣) تفسير البحر المحيط ٢ / ٧.