المصاحف فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها «لم يتسن» (١) وفيها «لا تبديل للخلق» وفيها «فأمهل الكافرين» (٢) فدعا بدواة فمحا أحد اللامين وكتب «لخلق الله» ومحا «فأمهل» وكتب (فَمَهِّلِ)(٣) وكتب (لَمْ يَتَسَنَّهْ) فألحق فيها الهاء.
قال ابن الأنباري معلقا على هذا العمل من عثمان ـ رضي الله عنه ـ : فكيف يدعي عليه أنه رأى فسادا فأمضاه؟ وهو يقف على ما يكتب ويرفع الخلاف الواقع من الناسخين فيه فيحكم بالحق ، ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده (٤).
أبعد كل هذا يبقى زعم «لنولديكة» وغيره ببقاء لحن وخطأ في القرآن وبمعرفة عثمان وأنه أبقاه لتقيمه العرب بألسنتها! إن هذا لشيء عجاب.
أما وعلى فرض صحة الأثر فيمكن أن نؤوله بما يتفق مع حرص عثمان على سلامة المصاحف أن المقصود بلفظ «لحنا» على معناها في اللغة فيكون المعنى أن في رسم القرآن وكتابته في المصحف وجها في القراءة لا تلين به ألسنتهم جميعا إلا بالمرانة ، وكثرة تلاوة القرآن بهذا الوجه (٥).
أما توجيه قوله : «لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف» لو صح الأثر.
قال أبو عمرو الداني : [معناه : أي لم توجد فيه مرسومة بتلك الصورة المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك إذ كانت قريش ومن ولي نسخ المصاحف من غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة ، وسلكوا فيها تلك الطريقة.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢٥٩.
(٢) سورة الروم : ٣٠.
(٣) سورة الطارق : ١٧.
(٤) مناهل العرفان ١ / ٣٨٠.
(٥) المدخل في دراسة القرآن الكريم ص ٣٦٩.