على قرى واحد ، لا تعثر فيه على اختلاف ، ولا أنت لتقصير واجد ، فلا يشك في صحة نزوله من عند الله ـ عزوجل ـ ذو بصيرة ، ولا قدرة لأحد من البشر أن يأتي بمثله في أحكام معانيه ، وانتظام ألفاظه ، وبديع منهاجه وأسلوبه ..](١).
والقرشيون في مكة كانوا في الذؤابة من قبائل العرب ، ذكاء وألمعية ، وفصاحة ، وبلاغة ، وشرفا ، وشجاعة ، لذا خاطبهم القرآن الكريم بالقصير من سوره وآياته ، ولا يقدح في مزايا المكيين هذه أنهم كانوا أميين لم يستنيروا بثقافة المدنيين ، فللثقافة والاستنارة ميدان ، وللذكاء والتمهر في البيان ميدان آخر. وأما أهل المدينة لم يكونوا على استنارتهم ليبلغوا شأن قريش في تلك الخصائص والمزايا ، وكان منهم أهل كتاب درجوا على ألا يستفيدوا إلا بالتطويل ولا يقنعوا إلا ببسط الكلام ، لذا جاء القرآن المدني طويلا في آياته وسوره. لذا كان كلا الأسلوبين مراعى فيه حال المخاطبين ، وهذا هو عين البلاغة والإبداع ، وتأدية للمهمة التي نزل بها القرآن ألا وهي البلاغ لا كما يتصور المستشرقون ويتخيلون.
فالخلاصة :
أن القوم في مكة كانوا في سبات عميق وغفلة من أمر تدبر ما في السموات والأرض ، أبطرهم المال والجاه.
فجاءت الآيات المكية في صدر الدعوة كالصعق الكهربائي لإعادة التفكير واليقظة إليهم.
لذا جاء الأسلوب يهز العواطف والمشاعر هزا عنيفا لافتا النظر إلى ما يحيط به من بديع النظام الكوني.
أما في المرحلة المدنية فقد كانت تشريعات الدول من المعاملات والاتفاقات الدولية في حالة السلم والحرب وآداب الأسرة وتنظيم سائر شئون الحياة هو
__________________
(١) جمال القرآن وكمال الإقراء ص.